هل عرفت سرّ النجاح ، وباب التوفيق ، ومفتاح الخير والبركة ؟؟ ([1]) .
إنها صلاة الاستخارة .............
فما هي صلاة الاستخارة ؟؟
أولاً / تعريفها :
الاستخارة هي استفعال من الخير أو من الخِيَرة ( بكسر أوله وفتح ثانيه) ، واستخار الله طلب منه الخيرة ، وخار الله له أعطاه ما هو خير له ([2]) .
ثانياً / فضلها وأهميتها :
إن الإنسان مهما أوتي من علم وعقل وحكمة يظل محتاجاً إلى ربه وخالقه في كل لحظة ح لا غنى له عنه طرفة عين ، وكثيراً ما يقدم الإنسان على فعل أمر من الأمور وقد خطّط له تخطيطاً بالغاً ، واتخذ لإنجاحه كافة الإجراءات ، ووضع في حسابه جميع التقديرات ، ثم يتبين له فيما بعد أنه قد أخطأ الطريق ، وخانته جميع حساباته ، ولم تغن عنه سائر تقديراته .
وقد يتردد الإنسان بين فعل أمرين أو أكثر ، ويقف على مفترق طرق كثيرة متشعبة لا يدري أيّها يوصل إلى الهدف ؛ فيقف حائراً قلقاً متردداً ، وقد يسلك منها طريقاً يؤدي به إلى غير مقصوده وطلبه ، وربما أدى إلى هلاكه وعطبه .
وقد كان العرب في جاهليتهم يلجئوون إلى طريقة ساذجة لإزالة هذا التردد ، تلكم الطريقة هي الاستقسام بالأزلام ، وهي عبارة عن أقداح ثلاثة ، على أحدها مكتوب : ( افعل ) ، وعلى الآخر : ( لا تفعل ) ، والثالث فارغ لم يكتب عليه شيء ، فإذا أجالها فطلع سهم الأمر فعل ، وإن طلع سهم النهي لم يفعل ، وإن طلع الفارغ أعاد ([3]) . وقد نهى الله المؤمنين عن هذا العمل فقال سبحانه : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ )) ، وعوّضهم عن ذلك بصلاة الاستخارة ودعائها المتضمن الإقرار بوحدانيته سبحانه والإقرار بصفات كماله وربوبيته ، وتفويض الأمر إليه ، والاستعانة به ، والتوكل عليه ، والتبري من الحول والقوة إلا به ، واعتراف العبد بعجزه وقصوره .. إلى غير ذلك . من المعاني العظيمة التي تضمنها هذا الدعاء .
وإن من رحمة الله بعباده وكمال فضله ومنته عليهم أن شرع لهم هذه الصلاة العظيمة التي لا تكلف العبد شيئاً سوى بضع دقائق يقضيها بين يَدَيْ ربه وخالقه ، يستخيره فيها في جميع أموره ؛ جليلها وحقيرها ، كبيرها وصغيرها ، فهي يسيرة العمل ، عظيمة النفع مهما طال الأجل ، لا يخيب – في جميع الأحوال – فاعلها ، ولا يوفق للصواب – إلا ما شاء الله – مجتنبها ، فخذ بها وعض عليها بالنواجذ تنجح وتفلح .
ومما يدل على أهميتها حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن ، قال جابر رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ...
وتأمل قوله : ( في الأمور كلها ) ففيه دليل آخر على أهميتها وفضلها .
ثالثاً / صفتها :
هي ركعتان من غير الفريضة يؤديها المسلم في أي وقت شاء – كما سيأتي – يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن ، ثم يدعو بعد ذلك بدعاء الاستخارة قبل السلام بعد التشهد، وإن دعا بعد السلام فلا بأس والأمر في ذلك واسع إن شاء الله، ولكن الأول أفضل ([4]) .
حديث الاستخارة ودعاؤها :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : (( إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علّام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر – ويسمّي حاجته – خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال : عاجل أمري وآجله – فاقدره لي ويسّره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال : عاجله وآجله – فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به )) أخرجه البخاري .
فينبغي للمسلم أن يحفظ هذا الدعاء ويدعو به في صلاة الاستخارة .
رابعاً/ هل تجزئ صلاة الاستخارة عن تحية المسجد والسنة الراتبة ؟
أما تحية المسجد فتجزئ عنها صلاة الاستخارة بلا خلاف، مثال ذلك : أن يدخل رجل المسجد فيصلي ركعتين ينوي بهما صلاة الاستخارة ، فتجزئ عن تحية المسجد لأن المقصود منها ألّا يجلس حتى يصلي ركعتين ؛ وقد فعل .
أما السنة الراتبة فلا تجزئ عنها صلاة الاستخارة إلا أن ينوي بالركعتين السنة الراتبة فتدخل فيها ركعتا الاستخارة ، لأن الراتبة هي الأصل وهي مقصودة لذاتها بخلاف ركعتي الاستخارة .
والأكمل أن يخص الاستخارة بركعتين مستقلتين ([5]) . والله أعلم .
خامساً / وقتها :
ليس لصلاة الاستخارة وقت محدد ، والمشروع أن تكون في غير وقت نهي ([6]) لا سيما أوقات الإجابة ، كالثلث الأخير من الليل ، وبين الآذان والإقامة ..فإن كان الأمر المستخار فيه يفوت بتأخيرها عن وقت النهي فيصليها ولو في وقت النهي .
سادساً / اعتقاد خاطئ :
يعتقد بعض الناس أن صلاة الاستخارة تكون بالليل قبل النوم ، وأن المستخير يرى في منامه رؤيا يتبين له فيها وجه الصواب ؛ وهذا ليس بصحيح ، لأن صلاة الاستخارة ليس لها وقت محدد كما سبق ، وليس شرطاً أن يرى المستخير رؤيا بعد الاستخارة ، بل يستخير متى احتاج إلى ذلك ثم يتوكل على الله ويمضي لفعل ما هم به فإن فيه الخير بإذن الله .
سابعاً / الأمور التي تشرع لها الاستخارة :
يشرع للمسلم أن يستخير الله في جميع أموره ؛ جليلها وحقيرها ؛ صغيرها وكبيرها ، فربّ عمل حقير ترتب عليه أمر عظيم ، ومما يدل على ذلك قوله في الحديث : ( في الأمور كلها ) و ( كل ) من ألفاظ العموم .
إلا أنه يستثنى من ذلك بالضرورة أمران :
الأول : الواجبات والمحرمات فلا تشرع لها الاستخارة ؛ فلا يستخير الإنسان هل يصلي الظهر – مثلاً – أو لا يصليها ، أو يستخير هل يأكل الربا أو لا يأكله ، ولكن إذا كان الواجب وقته موسّعاً شُرعت الاستخارة لتعيين وقت الفعل لا للفعل نفسه ، وكذلك إذا تزاحم واجبان ولم يترجح أحدهما شرعت الاستخارة لتعيين أحدهما .
الثاني : الأمور الاعتيادية التي تتكرر باستمرار كالأكل والشرب ونحوهما ؛ فلا تشرع لها الاستخارة ، ومثل هذه الأمور لها آدابها الشرعية التي من التزام بها سلم من الضرر .
يتبع....