الشهادة كلمة براءة
ان الجهاد المسلح في سبيل الله .. والشهادة من أجل الله .. لا يكون الا من روافد الاستقامة والانقياد المطلق لأوامر الله بوصفه له الاهمية الكبرى من لدن أرباب البصيرة الرسالية التاريخية ، وأصحاب الذوق الثوري العرفاني المتألق .
قال الله تعالى في محكم كتابه الأخير المحفوظ :
((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله))
في هذا النص القرآني نجد تكاملية الاهتمام بـ ((الشهادة)) الذين يخرجون في سبيل الله .. الذين يضحون بأنفسهم في معركة الحق والعدل والحرية .. وهم عادة اكرم القلوب ، أزكى الارواح ، وأطهر النفوس من كل هوى وكل رغبة في أعراض هذه الارض الفانية ، فقد أرادوا من جهادهم المتواصل ، وبذل أرواحهم النفيسة في سبيله والتطلع إلى وجهه ورضاه وحده دون شركة في شارة ، ولا هدف ولا غاية .. الا المبدأ الفياض .[/font]
في سبيل الحق الذي أنزله ..
في سبيل هذا الدين الذي اختاره
في سبيل هذا النهج الذي شرعه
في هذا السبيل وحده لا في سبيل أي سبيل آخر ، ولا تحت أي شعار آخر
فهؤلاء الشهداء الأبرار .. هؤلاء الذين يخرجون في سبيل الواحد القهار، لا يخرجهم ، الا جهاد في سبيله ، وإيمان به، وتصديق برسله .. كهدف إيماني حركي دائم، لإسقاط القيادات الجاهلية المضادة
هؤلاء منحهم الله تعالى الاجر العظيم، والثناء الجميل ، ومنحهم السعادة الازلية الابدية الكبرى .. يتعهدها الله ربها في الملأ الأعلى ، ويزيدها هدى ، ويزيدها صفاء ، ويزيدها إشراقا .
هؤلاء (كذلك) منحهم الله تعالى حياة نامية في ظلال الله حيث جعلهم يرزقون ويستبشرون ويفرحون .. ليسوا أمواتاً إنهم أحياء ، فلا يسوغ أن يقال عنهم أموات بأي حال من الأحوال ، ولا يسوغ أن يعتبروا أمواتا في الحس والشعور ، ولا يقال عنهم أمواتا بالشفة واللسان .
انهم أحياء بشهادة الله سبحانه قد خلت حياتهم عن كل ما يؤذيها من المشقة، والجهد، والجوع، والخوف، والالم .
فان كان الجهاد الاصغر له هذه الاهمية الفائقة من لدن الله .. فما ظنك بـ ((الجهاد الاكبر)) مع النفس ، وإجهاض الهوى بالصبر ، والالتجاء إلى المبدأ الفياض وحده .. حين تهتز الاسناد كلها .. وتتوارى التقاليد، والخرافات، والشهوات الحيوانية، وهي شتى ، ويخلو القلب إلى المبدأ الفياض وحده ، ولا يجد سنداً إلا سنده
وفي هذه اللحظة تنفتح نورانية الذات، توجب حركية العمل برياضة النفس وتأديبها ، وتنجلي الحجب الظلمانية لإدراك المثل والمبادئ الكبرى ، والوصول إلى المعرفة الربوبية ، ومن ثم توجد النقلة النوعية في فناء النفس ، وتقويض الاثار الوجدانية للإنسان، والبقاء به تعالى.
وعندئذ تنفتح البصيرة ، وينجلي الافق على مد البصر ..
لاشئ الا الواحد القهار.
لا قوة الا قوته .لا حول الا حوله.
لا إرادة الا إرادته .
لا ملجأ الا اليه سبحانه.
وكل هذه المشاعر كفيلة باستبقاء القلب في حالة يقظة شاعرة حساسة ، لا تغفل عن مراقبة الله ، ولا تجمد ، ولا تتبدل بالركود ، والغفلة، والنسيان.
وعندئذ تلتقي الروح الحقيقية الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح.. إنها حقيقية واقعية ، بيد أنها أرقى وأرفع من أن يتصورها الإنسان.. الا تطلعا إلى الافق السامق المضيء.
ان الاستقامة في إحقاق الحق، والمبادئ، والمثل الكبرى .. من أظهر مقامات الانبياء، والاوصياء، والاولياء، والعرفاء.
وهي عبارة عن الطريق القويم بل هي الكنز الذي يغني، ويفيض .بل هي حقيقة الانطلاق من حدود الواقع الارضي الصغير.. إلى مجال الواقع الكوني الكبير.
بل هي الروح، والندى، والظلال الهاجرة بل هي لا تتأرجح، ولا تضطرب، ولا تشك، ولا تغتاب بفعل الجواذب، والدوافع، والمؤثرات .
ل هي لا يمكن أن تحصل الا باختيار الإنسان وامتحانه بأشد الانكسارات والانتكاسات .في مثل هذه الفترات أمر شاق عسير يحتاج إلى صبر و مصابرة، لتبرز شخصيته الاسلامية الراسخة في نفسه، ونسف ما هو فيه من مفاسد وانحراف .. فلو لم يكن اختبار لما كان هذا الجزاء والثواب، ولا ترتبت هذه المردودات الايجابية المتوخاة، وبعد ذلك المساندة الالهية ما في ذلك ريب على سبيل الاقتضاء، لا على سبيل العلة التامةوحقيقة الاستقامة في إحقاق الحق قائم على تجلي عظمة المبدأ الفياض سبحانه في الفؤاد والاعراض عما سواه، شريطة لم ير الإنسان شيئاً من هذه الاشياء الفانية غيره سبحانه، وكلما تعمقت في ذلك ، وظهر انشداده على الصعد كافة، ترسخت الاستقامة وتعمقت في القلب إلى درجة الخلوص، والاخلاص، والاشراق، والصفاء .
وحقيقة كفاح قوى الاستكبار والكفر العالمي لا يكون إلا من روافد الاستقامة التي تمثل الارتباطات والضوابط والدوافع والثوابت والحواجز لحقيقة المنهج الإلهي في الساحة العالمية.
إن من الاحسن والارقى والأفضل هو الانقياد المطلق لأوامر الواحد الاحد، وطاعته ، والتفاني في سبيله تعالى ثمرة ملازمة للإيمان بربوبيته تعالى .متى صح الايمان؟ ومتى عرفت النفس حقيقة الالوهية ، وعرفت عبودية الكل له، ونظرت بنور القلب إلى الحقائق الغيبية ؟..حين يسقط عنها الركام، وتزول عنها الحجب الظلمانية ، وتنكشف عنها الاوهام ، فلا يبقى أمامها إلا أن تعتصم بالله وحده ، وتنيب إليه وحده ، لا شريك له ، وهو صاحب السلطان، والقدرة وحده.. الذي هو آخر حد الإمكان، وهو أول حد الوجوب كما إن أخطر ((المحبوبات)) من لدن الإنسان نوع الإنسان هو حب السلطة والثروة والسلاح، ولابد من إنفاق هذا المحبوب في دائرته تعالى ليكسب الإنسان الهدف الأسمى إلى ابعد الأغوار.
وعلى هذا سير وسلوك أولياء الله .. لأن أولياء الله في واقع الأمر :هم المؤمنون حق الإيمان، المتقون حق التقوى .. والايمان ما وقد في القلب، وصدقه العمل .. والعمل هو تنفيذ ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه .بل هم وسطاء بين الحق، والخلق .. وروابط بين الحضرة والواحدية المحضة ، والكثرة التفصيلية، بل هم العلة الغائية لخلق العالم بروحانياته وجسمانياته
بل هم مظهر الرحمة الرحيمية .. التي تظهر كمال الوجود ، وحقائق الغيب والشهود.وأخيراً .. اعلم هداك الله إلى جبروته، واراك بلطفه طرق ملكوته : إن هذه .. أو تلك المشاعر .. كفيلة بأستبقاء الجهاد السياسي والمسلح الحقيقي في حالة لا تتيسر بدون العرفان الخالص، الذي يشهد هيمنة الفيض الإطلاقي ، وانبساطه على هياكل الماهيات بالشهود الإيماني .. ولا يستحصل بدون الإيثار بالنفس والنفيس في سبيل المبادئ والمثل الكبرى ، وحيث أن النصوص المعصومية الصادرة من المدرسة الاسلامية مستفيضة منها : قال الرسول الاعظم محمد (ص) :
((إن الله وملائكته يصلون على أصحاب الخيل من اتخذها وعدها لمارق في دينه أو مشرك))[/size]