إنَّ العالم كله بحاجة إلى الإسلام كما أُنْزل على محمد r . فمن خلال تمزّقنا وضعفنا وهواننا نكون قد ارتكبنا إثماً فوق إثم ، ومعصية فوق معصية ، حين أغضبنا الله بمخالفة الكتاب والسنَّة بتفرّقنا وتمزّقنا ، وحين فقدنا مهابتنا في صدور أعدائنا ، وحين خسرنا حقيقة البلاغ والتعهّد ، وفشلنا في أن نخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وحين أخذنا عن الغرب ضلالتهم ولم نأخذ صناعتهم وسلاحهم .
فقدنا هويّتنا وشخصيّتنا ، فلا نحن هنا ولا نحن هناك ، فاضطربت الخُطا وتشعّبت المسالك ، وعلا ضجيج الشعارات لنُخْفيَ بهذا الضجيج عجزنا وهزائمنا.
زعم بعضهم أننا بتقليد الغرب فيما قلّدوه ننمو ونتطوّر ونملك القوّة والعزّة. فإذا الحقيقة كانت هواناً وذلّة ، كلّ ما قلّدنا به الغرب لم يُعْطنا قوّة ولا عزّة ، ولا حريّة ولا مساواة ، حتى الأخوة التي أمر الله بها ضاعت من بيننا وتحوّلت إلى نماذج من العصبيات الجاهليَّة !
يريد بعضهم الديمقراطية زاعمين أنَّ ذلك رغبة بالحرية والعدالة والمساواة والإخاء وكل تلك الشعارات ! أَوَليسَ في الإسلام حريّة صادقة وعدالة صادقة وإخاء ومساواة ؟! فإذا كان الإسلام يملك ذلك كله ، فَلِمَ نُعْطي شرف هذه الشعارات للديمقراطية التي فشلت في جميع أنحاء الأرض ولم تحقّق صدق هذه الشعارات ، وهي قائمة على انقسام المجتمع إلى طبقة مستغلّة ظالمة ، وطبقة مخدّرة بقشور الحريّة التي أنستهم الله والدار الآخرة ، وجعلت الدنيا ومصالحها المادية هي الوثن الذي يُعبد من دون الله في تصوّرات ونشاط معزولين عن الدار الآخرة والسبيل الحقّ إليها ، وجعلت الدين محصوراً في المعابد لا علاقة له بسياسة الأمة وبنائها وتربيتها ومناهجها ، أو يُخْرج من المعابد حين يحتاجونه ليجعلوا منه سلعة تجارية يمهّدون بها للجرائم الممتدّة في الأرض ، وللمآسي والفواجع التي يطلقونها في كلِّ زاوية من زوايا الأرض ، وليخدِّروا الناس كما خدّروه بالجنس والخمر والفواحش .
من أين يأتي النصر والتمزّق قائم ، والخطوات مضطربة ، والشعارات ضجيج دون نهج ولا خطَّة ؟!
إن الوقفة الإيمانية واجب كل مسلم وكل حركة إِسلامية ، أن تراجع المسيرة في وقفة إِيمانية . والمراجعة والتقويم يجب أن يكون دورياً على صورة منهجيّة تخضع لخطوات محدّدة .
ولكننا اليوم نحتاج إلى مراجعة شاملة ووقفة إِيمانيّة واعية ، فمن ظنّ أنه ليس بحاجة إلى هذه الوقفة الإيمانية فقد وقع في الخطأ الأول . فالأخطاء كثيرة كما ذكرنا في أول الكلمة ، وما يمنع هذه الوقفة إلا الغرور والكبر ، والإعجاب بالذات ، والعصبيات الجاهلية .
لقد جعل الله برحمته صراطه مستقيماً حتى لا يَضلَّ عنه أحد ، وجعله واحداً حتى لا يُخْتَلَفَ عليه ، ثمّ بيّنه وفصّله تفصيلاً حتى لا يبقى لأحد عذر في عدم اتباعه .
هذا خلل كبير في واقع المسلمين لا يمكن علاجه بالمسكنات والمجاملات . ولا بدَّ من علاجه ، لأن بقاءه يعني بقاء الهزائم والفواجع ، والمذلة والهوان ، وبقاء الخطر علينا جميعاً .
ولا يمكن علاجه بلقاءات إِداريّة تحمل ضعفنا وخللنا وأمراضنا . يجب أن نلتقي صفّاً واحداً كما يحبّه الله ويرضاه ، وعسى أن يُرْفَع البلاء عنا . ولكن كيف يكون ذلك .
لا يمكن أن يتم علاج إلا إذا تمّ تغيير حقيقي في أمرين أساسيين هما :
أولاً : تغيير ما بأنفسنا كما أمر الله .
ثانياً : تغيير طريقة تفكيـرنا وعملنـا إلى النهج الإيماني للتفكير والعمل .
وإِذا تم هذا التغيير ، فإن أموراً أخرى ستتغيّر بصورة تلقائية . ستتغيَّر وسائلنا ، وأساليبنا ، ومناهجنا ، وعلاقاتنا فيما بيننا ومع الآخرين . سيكون هناك تغيير واسع يوجهه الإِيمان والتوحيد ، والكتاب والسنّة ، بعد أن تكون الأهواء قد أُلجمت !