إدارة الوقت والمالتعتمد معظم أبحاث إدارة الوقت على نتيجة واحدة هي كسب المال، ونحن كمسلمين لا نضع كسب المال كهدف، بل كوسيلة لتحقيق أهداف أسمى مثل التصدق على الفقراء والإنفاق على الأهل والأولاد وإنفاق المال فيما يرضي الله تعالى، أي أن كسب المال هو وسيلة لكسب رضا الله تعالى! ولذلك فإن المؤمن بحاجة لثقافة إدارة الوقت ليتمكن من العيش بشيء من الرفاهية دون إسراف ولا تقتير. فالإسلام دين الوسطية... التبذير من عمل الشيطان، والشح من عمل الشيطان أيضاً، والاعتدال هو الطريق الأمثل الذي أمرنا به الله تعالى.
لقد ربط الله في كثير من آيات القرآن بين الرزق والتقوى، وأهم عنصر من عناصر التقوى استغلال الوقت في الأعمال الصالحة، والثقة بالله تعالى وعطائه، وأنه قادر على رزق عباده، نحتاج الثقة بالله تعالى، وعندما تستغل وقتك في رضا الله سيسخر لك الله كل شيء لخدمتك، وسييسر لك أسباب الرزق، ولذلك أقول: إن الإدارة الناجحة للوقت تعني المزيد من الرزق بإذن الله.
فوائد لا تُحصى لإدارة الوقت الفعالةلو أردنا أن نعدّد فوائد الإدارة الفعالة للوقت سوف نحتاج لمجلدات... ولكن يكفي أن نقول إن الإدارة الصحيحة للوقت على ضوء الكتاب والسنّة تعني: إنجاز الكثير من الأعمال في زمن قصير... تعني حل العديد من المشاكل بجهد أقل... تعني الاستقرار الاجتماعي والنفسي... تعني المزيد من الاستقرار العاطفي والشعور بالسعادة والقوة والتفاؤل... تعني التخلص من التراكمات السلبية التي تنهك طاقات الإنسان ... وتعني التخلص من الحزن والقلق وتعني أنك بدأتَ حياة جديدة، لن تستطيع الكلمات وصفها، ولكن بمجرد أن تعيش هذه التجربة ستدرك روعة تنظيم الوقت وإدارته.
في عالم النمل نجد أفضل أنواع الإدارة للوقت، فالنملة لا تترك دقيقة تمر دون عمل، تقوم بالتعاون والتنسيق مع بقية أفراد المجموعة، وتستثمر الوقت بصورة رائعة، بل تقوم بأعمال ربما يعجز عنها الإنسان! ويعتبر العلماء أن النمل لديه طريقة فنية في إدارة الوقت، فهل نتعلم من هذه المخلوقات الصغيرة؟!
الوقت الفعاليعتمد تنظيم الوقت قبل كل شيء على الزمن المتوافر لديك كل يوم، فاليوم 24 ساعة، هناك وقت للنوم بحدود 6 ساعات (يفضل أن تكون على مرحلتين: 4 ساعات في الليل وساعتين في النهار)، إذاً يتبقى لدينا 24 – 6 = 18 ساعة، هذه المدة يجب أن ننقص منها ما يقوم به الإنسان من قضاء لحاجته وطعام وشراب واغتسال وهذه المدة تحتاج لساعتين وسطياً، ويبقى لدينا 18 – 2 = 16 ساعة، ولكن هناك أشياء أخرى يجب أن نفعلها كمسلمين، وعلى رأسها الصلاة، وهذا الوقت مقدَّس، ويجب أن يكون على رأس اهتماماتنا، ونحتاج لأداء الصلوات الخمس مدة ساعة على الأقل، ويبقى لدينا 16 – 1 = 15 ساعة.
هناك فترة عمل يلتزم بها معظم الناس (من أجل لقمة العيش) مثل وظيفة أو عمل حر أو تجارة أو دراسة في مدرسة أو جامعة.. أو غير ذلك، وهذه المدة تكون بحدود 8 ساعات يومياً، ويبقى لدينا وقت الفراغ الفعال: 15 – 8 = 7 ساعات! تصوروا أن معظم الوقت استنفذ على حاجات الإنسان الضرورية، ولم يتبق إلا 7 ساعات يمكن أن يستغلها في أشياء أخرى. ولكن معظمنا لا يستفيد من هذه الساعات السبع!
إن هذه الفترة كافية لتقوم بأشياء كثيرة، وعلى رأسها حفظ القرآن، ولكن معظم الناس يقولون لا يجدون وقتاً للقيام بمثل هذا العمل، مع العلم أنه أهم عمل في حياة المؤمن، لأنه سيغير الكثير. ومن خلال الطريقة الإبداعية سوف نرى بأن الإنسان يمكن أن يستغل الـ 24 ساعة ويستثمرها بشكل فعال، حتى وقت نومه!
استغلال الوقت أثناء النوممن الأشياء العجيبة أن الدماغ أثناء النوم يبقى في حالة نشاط وعمل واسترجاع للذكريات وإجراء تنظيم لها، بل إن النوم يزيد من قدرة الإنسان على الإبداع، ولذلك يجب استغلال هذه الفترة بالاستماع إلى القرآن الكريم والتعلم. وموضوع التعلم أثناء النوم يشغل بال العلماء اليوم، حيث يحاولون رصد العمليات التي تتم في دماغ النائم، ومدى تأثره بالكلمات التي يستمع إليها وهو نائم، وذلك من خلال جهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي fMRI .
استغلال الوقت أثناء العملأهم قاعدة من قواعد النجاح أن تضع هدفاً ويصبح هذا الهدف كلّ همِّك تفكر فيه طوال اليوم، وتعمل عليه حتى يتحقق. وبالتالي فإن وقت العمل ضروري لإنجاز الكثير. فكثير من الناس يستطيع إنجاز أشياء كثيرة خلال فترة عمله كل يوم. مثلاً يمكن أن يستمع إلى القرآن أثناء عمله أو قيادته للسيارة أو أثناء جلوسه على مكتبه، وقد كان همّي دائماً هو القرآن: كيف أفهمه وكيف أحفظه وكيف أتعلم أشياء جديدة كل يوم من القرآن، وكيف أعيش كل لحظة مع القرآن... ولذلك وجدتُ البركة في الوقت، وهذه القاعدة يغفل عنها كثير من الناس.
يمكن أن تستغل وقتك في التفكير بالهدف الذي تسعى لتحقيقه، وبالنسبة لي فقد كان هدفي الأول: كيف أصبح كاتباً في الإعجاز العلمي، فكنتُ أستغل كل دقيقة في التفكير وطرح الأسئلة: كيف يمكنني أن أحقق هذا الهدف، وماذا أحتاج من أجل ذلك... وبسبب التفكير الدائم وبفضل من الله تعالى حققت هذا الهدف خلال سنوات قليلة.
حتى وقت نومك يمكن استثماره في تعلم أشياء جديدة، وقد استخدمتُ هذه الطريقة لسنوات، حيث كنتُ أستمع للقرآن وأنا نائم، وهذا ما ساعدني كثيراً على حفظ القرآن، وعلى شفاء بعض الأمراض، فالاستماع إلى القرآن يعتبر علاجاً ناجعاً لكثير من الأمراض، ولكن بشرط أن تثق بهذا الشفاء الإلهي "المجاني"! وعندما تتمتع بصحة أفضل لابد أن تتمكن من تنفيذ أعمال أكثر وبالتالي استثمار وقتك بشكل أفضل!
استغلال الوقت الضائعهناك وقت ضائع كبير يشمل المواصلات وزيارات الأصدقاء والأقارب والأعمال اليومية والوقت المخصص للأولاد وللزوجة أو لبرّ الوالدين أو لمشاهدة التلفزيون أو الاستماع إلى الراديو ووقت ضائع كبير في الإنترنت وغير ذلك، وهذه يجب استغلالها وسوف نتعلم طريقة لذلك.
فمن خلال المقالة الثانية في هذه السلسلة سوف نعيش مع خطوات عملية في إدارة الوقت: كيف نحقق الاستغلال الأمثل لوقتنا، وكيف تحقق النجاح في العمل أو الدراسة من خلال إدارة الوقت، وكيف تحل أي مشكلة في زمن قصير جداً ... وغير ذلك من المعلومات النافعة والقواعد المهمة التي يحتاجها كل واحد منا في حياته.
وأخيراً إليكم بعض النصائح السريعة- انظر إلى الوقت على أنه كنز ثمين بين يديك أعطاك الله هذا الكنز فهل تبدّده من دون مقابل!
- انسَ أي مشكلة تصادفك ولا تعطها أكثر من دقيقة أو دقيقتين من تفكيرك... وبعد ذلك انتقل للتفكير في قضية أخرى.
- قبل النوم حاول أن تفكر ماذا يجب أن تنجز في اليوم التالي... وبعد الاستيقاظ حاول أن تفكر فيما ستحققه في يومك هذا..
- أكثر من الدعاء ومن الاستغفار ومن تلاوة القرآن! فهذه الأشياء تجعلك أكثر اطمئناناً وتساهم في استقرار عمل القلب والدماغ، مما يساعدك على الإبداع والتفكير بطريقة أفضل.
- تفكر في مخلوقات الله! فالتأمل يساعد على الإبداع وعلى اتخاذ القرار الصحيح. وبالتالي سيوفر عليك الوقت الذي ستضيعه مع القرارات الخاطئة.
- لا تغرّنك الدنيا وزينتها وأموالها وأغنيائها! وخير مثال قارون الذي امتلك من الكنوز ما يعجز عن حمل مفاتحه الأقوياء. ولكنه بسبب غروره خسف الله به الأرض، فماذا استفاد من علمه وماله؟
- لا تشعر بالفشل، فهذا الشعور عدوّ الوقت. بل حاول المرة تلوَ الأخرى وسوف تنجح ولك أجر المحاولة.
وأختم هذه المقالة بموقف عظيم سيتعرض له كل غافل عن الله وعن لقائه، وكيف يتمنى في لحظة الموت أن يمتد عمره لحظات قليلة فقط ليفعل الخير، ولكن هيهات... فالأجل قد جاء ولن يحصل على ثانية واحدة إضافية! يقول تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 10-11]. بعد هذا الموقف: هل ستقدّر قيمة الوقت وتعمل منذ هذه اللحظة على استغلال كل دقيقة من وقتك فيما يرضي الله تعالى؟![/size]
ـــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com[/color]