نداء إلى الشعب الجزائري
بـسـم الله الرحـمـن الـرحــيـم
" أيها الشعب الجزائري، أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية، أنتم الذين ستصدرون حكمكم بشأننا ـ نعني الشعب بصفة عامة، و المناضلون بصفة خاصة ـ نُعلمُكم أن غرضنا من نشر هذا الإعلان هو أن نوضح لكُم الأسْباَبَ العَميقة التي دفعتنا إلى العمل ، بأن نوضح لكم مشروعنا و الهدف من عملنا، و مقومات وجهة نظرنا الأساسية التي دفعتنا إلى الاستقلال الوطني في إطار الشمال الإفريقي، ورغبتنا أيضا هو أن نجنبكم الالتباس الذي يمكن أن توقعكم فيه الإمبريالية وعملاؤها الإداريون و بعض محترفي السياسة الانتهازية.
فنحن نعتبر قبل كل شيء أن الحركة الوطنية ـ بعد مراحل من الكفاح ـ قد أدركت مرحلة التحقيق النهائية. فإذا كان هدف أي حركة ثورية ـ في الواقع ـ هو خلق جميع الظروف الثورية للقيام بعملية تحريرية، فإننا نعتبر الشعب الجزائري في أوضاعه الداخلية متحدا حول قضية الاستقلال و العمل ، أما في الأوضاع الخارجية فإن الانفراج الدولي مناسب لتسوية بعض المشاكل الثانوية التي من بينها قضيتنا التي تجد سندها الديبلوماسي و خاصة من طرف إخواننا العرب و المسلمين.
إن أحداث المغرب و تونس لها دلالتها في هذا الصدد، فهي تمثل بعمق مراحل الكفاح التحرري في شمال إفريقيا. ومما يلاحظ في هذا الميدان أننا منذ مدة طويلة أول الداعين إلى الوحدة في العمل. هذه الوحدة التي لم يتح لها مع الأسف التحقيق أبدا بين الأقطار الثلاثة.
إن كل واحد منها اندفع اليوم في هذا السبيل، أما نحن الذين بقينا في مؤخرة الركب فإننا نتعرض إلى مصير من تجاوزته الأحداث، و هكذا فإن حركتنا الوطنية قد وجدت نفسها محطمة ، نتيجة لسنوات طويلة من الجمود و الروتين، توجيهها سيئ ، محرومة من سند الرأي العام الضروري، قد تجاوزتها الأحداث، الأمر الذي جعل الاستعمار يطير فرحا ظنا منه أنه قد أحرز أضخم انتصاراته في كفاحه ضد الطليعة الجزائرية.
إن المرحلة خطيرة.
أمام هذه الوضعية التي يخشى أن يصبح علاجها مستحيلا، رأت مجموعة من الشباب المسؤولين المناضلين الواعين التي جمعت حولها أغلب العناصر التي لا تزال سليمة و مصممة، أن الوقت قد حان لإخراج الحركة الوطنية من المأزق الذي أوقعها فيه صراع الأشخاص و التأثيرات لدفعها إلى المعركة الحقيقية الثورية إلى جانب إخواننا المغاربة و التونسيين.
وبهذا الصدد، فإننا نوضح بأننا مستقلون عن الطرفين اللذين يتنازعان السلطة، إن حركتنا قد وضعت المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات التافهة و المغلوطة لقضية الأشخاص و السمعة، ولذلك فهي موجهة فقط ضد الاستعمار الذي هو العدو الوحيد الأعمى، الذي رفض أمام وسائل الكفاح السلمية أن يمنح أدنى حرية.
و نظن أن هذه أسباب كافية لجعل حركتنا التجديدية تظهر تحت اسم : جبهة التحرير الوطني.
و هكذا نستخلص من جميع التنازلات المحتملة، ونتيح الفرصة لجميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية، وجميع الأحزاب و الحركات الجزائرية أن تنضم إلى الكفاح التحرري دون أدنى اعتبار آخر.
ولكي نبين بوضوح هدفنا فإننا نسطر فيما يلي الخطوط العريضة لبرنامجنا السياسي.
الهدف: الاستقلال الوطني بواسطة:
1 ـ إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
2 ـ احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.
الأهداف الداخلية:
1 ـ التطهير السياسي بإعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي و القضاء على جميع مخلفات الفساد و روح الإصلاح التي كانت عاملا هاما في تخلفنا الحالي.
2 ـ تجميع و تنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري لتصفية النظام الاستعماري.
الأهداف الخارجية:
1 ـ تدويل القضية الجزائرية
2 ـ تحقيق وحدة شمال إفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي و الإسلامي.
3 ـ في إطار ميثاق الأمم المتحدة نؤكد عطفنا الفعال تجاه جميع الأمم التي تساند قضيتنا التحريرية.
وسائل الكفاح:
انسجاما مع المبادئ الثورية، واعتبارا للأوضاع الداخلية و الخارجية، فإننا سنواصل الكفاح بجميع الوسائل حتى تحقيق هدفنا.
إن جبهة التحرير الوطني ، لكي تحقق هدفها يجب عليها أن تنجز مهمتين أساسيتين في وقت واحد وهما: العمل الداخلي سواء في الميدان السياسي أو في ميدان العمل المحض، و العمل في الخارج لجعل القضية الجزائرية حقيقة واقعة في العالم كله، و ذلك بمساندة كل حلفائنا الطبيعيين .
إن هذه مهمة شاقة ثقيلة العبء، و تتطلب كل القوى وتعبئة كل الموارد الوطنية، وحقيقة إن الكفاح سيكون طويلا ولكن النصر محقق.
وفي الأخير ، وتحاشيا للتأويلات الخاطئة و للتدليل على رغبتنا الحقيقة في السلم ، و تحديدا للخسائر البشرية و إراقة الدماء، فقد أعددنا للسلطات الفرنسية وثيقة مشرفة للمناقشة، إذا كانت هذه السلطات تحدوها النية الطيبة، و تعترف نهائيا للشعوب التي تستعمرها بحقها في تقرير مصيرها بنفسها.
1 - الاعتراف بالجنسية الجزائرية بطريقة علنية و رسمية، ملغية بذلك كل الأقاويل و القرارات و القوانين التي تجعل من الجزائر أرضا فرنسية رغم التاريخ و الجغرافيا و اللغة و الدين و العادات للشعب الجزائري.
2 - فتح مفاوضات مع الممثلين المفوضين من طرف الشعب الجزائري على أسس الاعتراف بالسيادة الجزائرية وحدة لا تتجزأ.
3 - خلق جو من الثقة وذلك بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ورفع الإجراءات الخاصة و إيقاف كل مطاردة ضد القوات المكافحة.
وفي المقابل:
1 - فإن المصالح الفرنسية، ثقافية كانت أو اقتصادية و المحصل عليها بنزاهة، ستحترم و كذلك الأمر بالنسبة للأشخاص و العائلات.
2 - جميع الفرنسيين الذين يرغبون في البقاء بالجزائر يكون لهم الاختيار بين جنسيتهم الأصلية و يعتبرون بذلك كأجانب تجاه القوانين السارية أو يختارون الجنسية الجزائرية وفي هذه الحالة يعتبرون كجزائريين بما لهم من حقوق و ما عليهم من واجبات.
3 - تحدد الروابط بين فرنسا و الجزائر و تكون موضوع اتفاق بين القوتين الاثنتين على أساس المساواة و الاحترام المتبادل.
أيها الجزائري، إننا ندعوك لتبارك هذه الوثيقة، وواجبك هو أن تنضم لإنقاذ بلدنا و العمل على أن نسترجع له حريته، إن جبهة التحرير الوطني هي جبهتك، و انتصارها هو انتصارك.
أما نحن، العازمون على مواصلة الكفاح، الواثقون من مشاعرك المناهضة للإمبريالية، فإننا نقدم للوطن أنفس ما نملك." فاتح نوفمبر 1954 الأمانة الوطنية.
4/- مراحل الثورة التحريرية في الجزائر :
فقد مرت الثورة التحير في الجزائر بعدة مراحل :-
1)- المرحلة الأولى : 1954- 1956 : -
- إنــدلاع الثــورة –
إن المراحل الصعبة التي واجهت الثورة كانت عموما في البداية لأن أصعب الأمور كما يقال بدايتها.
فقد واجهت الثورة عدة صعوبات في عامها الأول مثل قلة الوسائل المادية والحربية كالأسلحة والعتاد وغيرها، وصعوبة الإتصال بين الولايات للتنسيق الجهود ، واستشهاد عدد من أبطال الثورة مثل : ديدوش مراد، مصطفى بن بوالعيد واغتيال العديد من الثوريين المناضلين . لكن هذه المصاعب لم تفشل الثورة ولم تؤثر عليها، وبدأت تحقق بعض الإنتصارات سواء كان على الصعيد العسكري أو السياسي.
I/- التطــور العسكري :-
نتيجة استمرار الثورة وانتشارها اتخذت السلطات الفرنسية عدة إجراءات، ا قامت الطائرات الفرنسية بأول قصف جوي للآوراس في 10/10/1954 وفي 03/04/1955 طبق " "قانون الطوارىء " على منطقة الأوراس بعد أن صادق عليه البرلمان الفرنسي، وعين العقيد " بارلنج " في ماي 1955 قائدا على شرق البلاد وكان له سجلا في القتل الوحشي الجماعي وقد قابل جيش التحرير هذه الإجراءات بهجومات 20 أوت 1955 فقد قام العقي زيغود يوسف بتنظيم هجوم في ولاية قسنطينة كان الهدف من خلاله :
1.- تخفيف الضغط الشديد المسلط على منطقة الأوراس
2.- إظهار قوة الثورة لفرنسا والعالم كله.
3.- تشتيت قوات العدو.
4.- إثبات أن جيش التحرير الوطني ليس مجموعة من " قطاع الطرق " كما تزعم
الإدارة الفرنسية إنما هو جيش ثوري مساند من قبل الشعب بإمكانه أن يضرب قوات
العدو في الصميم.
5.- إثبات تعلق الشعب بالكفاح المسلح من أجل الإستقلال الوطني.
6.- إظهار روح التضامن مع المغرب الأقصى الذي نفي ملكه محمد الخامس فــي
20 أوت 1953.
7.- كسب إنضمام كل تيارات الحركة الوطنية والشخصيات الجزائرية الى صفوف
جبهة التحرير الوطني.
8.- تكذيب أقاويل وادعاءات الاستعمار بتبعية الثورة لبعض العواصم الخارجية وإثبات
وطنية الثورة وشعبيتها.
9.- لفت الأنظار الدولية للقضية الجزائرية وكفاح شعبها ضد الفرنسيين وإدراجها ضمن أعمال ومناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة والمؤتمرات الدولية .
ويكفي للدلالة على قوة الثورة أنه قد انتشرت بين أفراد الجيش الفرنسي روح التمرد والعصيان ضد الحرب في الجزائر. فقد تمرد أكثر من 200 جندي من فرقة المدفعية (رقم 451) بسان سبغران ووزعوا منشورات أعلنوا فيها معارضتهم في الذهاب الى الجزائر.
أمام هذا الفشل الداخلي والخارجي إلتجأت فرنسا الى حملات الاعتقال والسلب والنهب ونفذ حكم الإعدام في الكثير من المواطنين مع دفنهم أحياء.
II/- التطـــور السياسي :-
- على المستوى السياسي فقد قامت الإدارة الفرنسية بتعيين " جاك سوستيل " حاكما عاما على الجزائر خلفا " لروجي ليونارد " فقام سوستيل بزيارة منطقة الأوراس في 15/02/1955 حيث صرح قائلا : " إن هذه المنطقة تشهد تزايدا ملحوظا في عدد السكان، الأرض لا تكفي لذا نرى في هذه المنطقة حركة إرهابية ويعني هذا أن الثورة سببها الفقر، وعلى الجيش الفرنسي ألا يقوم بعمليات القتل، إنما بعمليات سلمية أي يكسب ثقة الشعب خصوصا في المناطق التي لم تشتعل فيها الثورة بعد، وكسب هذه الثقة يكون بتطبيق إجراءات إدارية إقتصادية وإجتماعية.
وشرع بعدها سوستال في إعداد مشروعه الاقتصادي الذي شمل عدة نواحي منها :
1.- الوظيف العمومي.
2.- قانون الديانة الإسلامية.
3.- الإدارة الجهوية والمحلية.
4.- تدريس اللغة الفرنسية.
5.- المجال الفلاحي والصناعي والمالي.
كما قام بتوزيع كميات كبيرة من القمح والحبوب الأخرى على سكان المناطق الفقيرة.
إلا أن هذا المشروع رفضته جبهة التحرير الوطني وعملت على إفشاله كما رفضه الشعب.
زيادة على هذا فقد عرفت السياسة الفرنسية اضطرابات ومنها أن قوة الثورة قد عملت على اسقاط حكومة " منداس فرانس " 23/12/1955 وقيام حكومة " ايدغارفور ".
أما من الجانب الوطني فقد عملت الثورة على رفع صوتها عاليا وأشعرت العالم أن ما يجري في الجزائر هو ثورة حقيقية ومع أن الجمعية العامة للأمم المتحدة رفضت مناقشة القضية الجزائرية في دورة 1955 إلا أن هذا الرفض تم بأغلبية صوت واحد.
كما شارك وفد جزائري كوفد ملاحظ في مؤتمر باندونغ، أفريل 1955، وفي جوان 1956 طرحت القضية الجزائرية على مجلس الأمن، ورغم رفض المجلس النظر في القضية بحجة أن الوقت لم يكن مواتيا لذلك إلا أنه إعتبر أن القضية الجزائرية قضية دولية، وقد أضافت الثورة إنتصارا آخر وهذا على المستوى الداخلي عندما استجاب الشعب الجزائري للإضراب العام الذي دعت إليه الجبهة في 05 جويلية 1956.
2)- المرحلة الثانية : 1956- 1958 :-
- تنظيم الثورة وشموليتها :
في الفترة التي كان فيها القادة الجزائريون منشغلين بالتحضير والإعداد للثورة المسلحة، كانت هناك فكرة تراودهم وهي ضرورة عقد مؤتمر وطني يضم زعماء جميع الجماعات للتباحث ومتابعة الثورة وتنظيمها وفق المستجدات لكن الصعوبات التي واجهتها الثورة في بدايتها حالت دون إنعقاد هذا المؤتمر وفي عامها الأول، وبعد التخلص من هذه الصعوبات وبعد الانتصارات التي تحققت على الصعيدين الداخلي والخارجي بدأ التفكير من جديد في عقد مؤتمر، فكان مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 م.
I/- مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 :
1.- ظروف ومكان إنعقاده :
أ.- الظــــروف :
بعد أحدات 20 أوت 1955 لم تبقى الثورة محصورة في مناطق الأحداث بل إتسعت لتشمل مناطق مختلفة من التراب الوطني وأحرزت على إنتصارات داخلية وخارجية ومن ذلك إنضمام التشكيلات السياسية للثورة فقد طلبت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في منتصف شهر جانفي 1956 بضرورة الإعتراف بإستقلال الجزائر وإعادة السيادة للشعب الجزائري.
كما أعلن فرحات عباس بأنه وحزبه يؤكدون على عزمهم على مساندة القضية التي تدافع عنها جبهة التحرير الوطني.
وانضم أعضاء من اللجنة المركزية من حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية الى الثورة
واستجاب الشعب الجزائري للإضراب الذي دعت إليه جبهة التحرير الوطني في 05/07/1956.
وفي جوان 1956 طرحت القضية على مجلس الأمن رغم رفض المجلس النظر في القضية بحجة أن الوقت لم يحن بعد، إلا أنه أعتبرها قضية دولية.
أمام كل تلك الظروف كان من الضروري عقد مؤتمرا يعمل على تكييف الثورة مع المستجدات الجديدة، كما يعمل على تنظيمها على أسس حديثة.
ب.- مكان إنعقاده :-
حسب التصريحات فإن عدد الحاضرين في هذا المؤتمر من القادة الكبار 16 مسؤولا يمثلون كل المناطق بإستثناء المنطقة الأولى والوفد الخارجي. فلظروف أمنية لم يتمكنوا من الحضور والمشاركة.
أختيرت المنطقة الثالثة (القبائل) لتضم هذا المؤتمر نظرا لموقعها وسط البلاد تقريبا مما يسهل لمسؤولي كل المناطق الوصول إليها وتم إختيار قرية إفري أوزلاقن في السفوح الشرقية لجبال جرجرة المشرفة على الضفة الغربية لوادي الصومام، وذلك نظرا لموقع هذه المنطقة الإستراتيجية إذ تشرف بشكل واضح كل الطرق الرئيسية مما يسمح بمراقبة وإكتشاف كل تحركات العدو. وأشرف حوالي 3000 مجاهد على حراسة وحصار كل المناطق المجاورة للمؤتمر، كما أن كتائب عديدة من المجاهدين كانت تنظم كمائن لقوات العدو بعيدا عن منطقة الصومام لصرف أنظار العدو عن هذه المنطقة.
ترأس المؤتمر الشهيد العربي بن مهيدي وحضره عبان رمضان، زيغود يوسف، كريم بلقاسم، العقيد أوعمران وغيرهم.
[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]