قصيدة ذنوب الموت للشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي \\\\\\\ تحليل ونقد سامي علي \\\\ العراق
قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ ولا تَخْذِلي مَنْ باتَ والدهرُ خاذِلُهْ
أَنَا عَالِمٌ بالحُزْنِ مُنْذُ طُفُولَتي رفيقي فما أُخْطِيهِ حينَ أُقَابِلُهْ
وإنَّ لَهُ كَفَّاً إذا ما أَرَاحَها عَلَى جَبَلٍ ما قَامَ بالكَفِّ كَاهِلُهْ
يُقَلِّبُني رأساً على عَقِبٍ بها كما أَمْسَكَتْ سَاقَ الوَلِيدِ قَوَابِلُهْ
وَيَحْمِلُني كالصَّقْرِ يَحْمِلُ صَيْدَهُ وَيَعْلُو به فَوْقَ السَّحابِ يُطَاوِلُهْ
فإنْ فَرَّ مِنْ مِخْلابِهِ طاحَ هَالِكاً وإن ظَلَّ في مِخْلابِهِ فَهْوَ آكِلُهْ
عَزَائي مِنَ الظُّلاَّمِ إنْ مِتُّ قَبْلَهُمْ عُمُومُ المنايا مَا لها مَنْ تُجَامِلُهْ
إذا أَقْصَدَ الموتُ القَتِيلَ فإنَّهُ كَذَلِكَ مَا يَنْجُو مِنَ الموْتِ قاتلِهْ
فَنَحْنُ ذُنُوبُ الموتِ وَهْيَ كَثِيرَةٌ وَهُمْ حَسَنَاتُ الموْتِ حِينَ تُسَائِلُهْ
يَقُومُ بها يَوْمَ الحِسابِ مُدَافِعاً يَرُدُّ بها ذَمَّامَهُ وَيُجَادِلُهْ
وَلكنَّ قَتْلَىً في بلادي كريمةً سَتُبْقِيهِ مَفْقُودَ الجَوابِ يحاوِلُهْ
ترى الطفلَ مِنْ تحت الجدارِ منادياً أبي لا تَخَفْ والموتُ يَهْطُلُ وابِلُهْ
وَوَالِدُهُ رُعْبَاًَ يُشِيرُ بَكَفِّهِ وَتَعْجَزُ عَنْ رَدِّ الرَّصَاصِ أَنَامِلُهْ
أَرَى اْبْنَ جَمَالٍ لم يُفِدْهُ جَمَالُهُ وَمْنْذُ مَتَي تَحْمِي القَتِيلَ شَمَائِلُهْ
عَلَى نَشْرَةِ الأخْبارِ في كلِّ لَيْلَةٍ نَرَى مَوْتَنَا تَعْلُو وَتَهْوِي مَعَاوِلُهْ
أَرَى الموْتَ لا يَرْضَى سِوانا فَرِيْسَة ً كَأَنَّا لَعَمْرِي أَهْلُهُ وَقَبَائِلُهْ
لَنَا يَنْسجُ الأَكْفَانَ في كُلِّ لَيْلَةٍ لِخَمْسِينَ عَامَاً مَا تَكِلُّ مَغَازِلُهْ
وَقَتْلَى عَلَى شَطِّ العِرَاقِ كَأَنَّهُمْ نُقُوشُ بِسَاطِ دَقَّقَ الرَّسْمَ غَازِلُهْ
يُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُوطَأُ بَعْدَها وَيَحْرِفُ عُنْهُ عَيْنَهُ مُتَنَاوِلُهْ
إِذَا ما أَضَعْنَا شَامَها وَعِراقَها فَتِلْكَ مِنَ البَيْتِ الحَرَامِ مَدَاخِلُهْ
أَرَى الدَّهْرَ لا يَرْضَى بِنَا حُلَفَاءَه وَلَسْنَا مُطِيقِيهِ عَدُوَّاً نُصَاوِلُهْ
فَهَلْ ثَمَّ مِنْ جِيلٍ سَيُقْبِلُ أَوْ مَضَى يُبَادِلُنَا أَعْمَارَنا وَنُبَادِلُهْ
1- من أروع ماقيل من شعر في الوقت الحاضر جسد فيه الشاعر معاناة الأمة الإسلامية بأوضح صورة واختار لذلك أروع تشبيه في بيتيه الرابع والخامس حيث شبهها بالطفل أول ولادته وهو بيد القابلة ( الجدادة ) محمول رأسا على عقب صاراخا ولا حول ولا قوة له وفي البيت الأخر شبهها بفريسة ضعيفة بمخالب صقر كاسر افترسها وارتفع بها نحو السماء فان فرت من مخلابه سقطت على الأرض وماتت وان بقت فهو اكلها لا محالة خياران للأمة مرعبان لا ثالث لهما الموت أو الموت ! ونرى الشاعر في الأبيات الأخرى – وهو ما قد يؤخذ عليه ـــ كأن ليس لديه حول ولا قوة في الرد على القاتل إلا قوله ( إن قتلتني ستموت بعدي كذلك وسأحاسبك يوم القيامة على قتلي ) وهذا يأس وقنوط ويبدو ذلك جليا واضحا لا لبس فيه في البيت الأخير الذي قد يُشبه بيأس الشاعر نزار قباني حيث يتمنى جيلا يحل محلنا ويحمل عنا همومنا وليته فعل كما فعل الشاعر محمود سامي البارودي عندما فشلت ثورة عرابي الذي شارك فيها وقال وهو في سفينة منفاه قصيدة هي كذلك عبارة عن صورة مرعبة من اليأس والقنوط ( عناء ويأس واشتياق وغربة ألا شد ما ألقاه في الدهر من غبن ) ولكنه قال في نهاية القصيدة ( قد تورق الأغصان بعد ذبولها ويبدو ضياء البدر في ظلمة الوهن ) فليته جعل قصيدته اثنين وعشرين بيتا وأجاب على هل ؟ فيه بـ ( نعم ثم من جيل مقبل كاللظى كأني اسمع خطاه واني لمتفاءل )
2- في البيتين الأول والعشرين ذكر الشاعر كلمة (الدهر) ويفعل كثير من الشعراء ذلك جهلا بالحديث القدسي ( قَالَ اللَّهُ: يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ) وفي رِوَايَةُ {وَلَا تَقُولُوا يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ}وَبلَفْظُ {قَالَ اللَّهُ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ}وبَلَفْظُ {يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِيَ الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}و بِلَفْظِ {لَا يَسُبُّ أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ؛ وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ}000 وما خذلان الدهر ( الله ) لنا إلا لتركنا دينه والأدلة كثيرة منها قوله تعالى {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } وقوله {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }وغيرها كثير فنصرنا وإعزازنا مشروط بنصرة الله ونصرة الله إتباع أوامره والابتعاد عن نواهيه فـ( من وان ) في الآيات أدوات شرط فما بعدها أمران الأول شرط في الثاني والثاني جزاء للأول فالتمسك بالدين شرط لنصر الله ونصر الله جزاء لمن يتمسك بدينه
3- استعارات جميلة(الحزن رفيق وله كف – المنايا تجامل – الموت له قبضة – للموت ذنوب وحسنات – الموت خياط ينسج الأكفان)
4- تشبيهات رائعة ( الحزن يقلب الناس كما تقلب الطفلَ ألقابلةُُ وكما يحمل الصقر الفريسة )
5- خاطب الشاعر امراءة بقوله ( قفي) مذكرنا بـ(قفا) امرؤ ألقيس إلا إن امرؤ ألقيس خاطب صاحبيه وهو خاطب امرأة دون أن يفصح من قد تكون زوجة أو أخت أو محبوبة وكذلك لم يذكر اسمها كهريرة الأعشى وسعاد كعب وعلى ما يبدو إنها كعاذلة حاتم الطائي فلم تكن راضية لأنها كما يبدو قد خذلته والنساء هي غالبا إن لم تكن دوما (السامع الأصم ! ) عند غياب الآخرين
6- لتجسيد الم الأمة بأوضح صورة استخدم الشاعر ألفاظ (الموت – الحزن – الظلام – المنايا – الهلاك – الهموم – الخوف - الرصاص – تهوي- أضعنا – يوطئ – مطيقيه – قتيل – قاتل – قتلى - القتل – صيد – فرار – يوطئ – فريسة – أكفان- ذنوب الموت - ولا تخذلي - خـاذل - ما قام بالكف - كاهـل - يوم الحساب – مفقود – رعبا – تعجز- موتنا - تهوي معـاول - مات - لا يرضى –عدو ) للدلالة على ما وصلت إليه الأمة من الم ومقابل ذلك لا نجد لفظه واحدة من ألفاظ التفاؤل 0 ولما لا فقد تداعت علينا الأمم
7- وفي الأخير هذا الشعر دليل على إن مازال في الأمة عرق ينبض ومن يسمع أو يقرا هذا النوع من الشعر ولم يتألم فليشتر له كفنا !