ف
شل مشروع الواجهة السياسية الموحدة يلاحق الإسلاميين إلى اليوم
عبد الله جاب الله الوجه "الإنتلنجسي" للحركة الإسلامية وجها لوجه من جديد مع "النظام"
يرى جاب الله ان الشعب صودر اختياره في هذه الإنتخابات و وقع السطو على إرادته بعدما وظفت الإدارة موظفيها كمؤطرين و تجاوزات أخرى و هي تدل على ضرب المسار الديمقراطي و طعن مباشر في مصداقية الدولة كما خيبت آمال الشعب في تعهدات رئيس الجمهورية الذي اقسم اليمين الدستورية بأنه يسعى من أجل تدعيم الديمقراطية و يحترم حرية اختيار الشعب
بدت الأمور أكثر صعوبة و تخوفا من ردود فعل الأحزاب السياسية التي لم تتحصل على مقاعد في البرلمان، و التي عدد مقاعدها المحدودة لا تمكنها من تشكيل كتلة داخل البرلمان من الخروج إلى الشارع في مسيرات احتجاجية للمطالبة بتصحيح الإنتخابات ، و إعادة النظر في النتائج الحقيقية و معاقبة الذين غيروا النتائج و تلاعبوا بإرادة الشعب، فقد أجمعت الأحزاب بمختلف إيديولوجيتها على أن ما حصل من تعسف و احتكار يعتبر خرقا للقوانين ، و أن مخالفيه لا يتمتعون في الثقافة الديمقراطية في التعامل السياسي و الحزبي، و مثل هذه الممارسات تيئس الشعب من المسار الإنتخابي كوسيلة في معالجة الأزمة.
من "المواقف" تقاس الرجال
فبالنسبة للأحزاب الإسلامية فأصحابها يرون أن إبعادهم عن السلطة متعمد لوصفهم بالتطرف و الاستبداد و رفض الرأي الآخر، و لأن النظام يخاف من قانون يؤسس من الشريعة الإسلامية تقطع فيه يد السارق و يجلد فيه الزاني أو يرجم، و فيه تقام الحدود، و يؤمن بأن الشورى أساس الديمقراطية، و بغض النظر عن الحركات الإسلامية الأخرى فقد كانت حركة الشيخ عبد الله جاب الله في وجه المدفع - كما يقال - لمواقفها المعارضة للنظام،و إصرارها عدم دخول بيت الطاعة، مثلما فعل رئيس حركة مجتمع السلم.
فمن جهة الشيخ عبد الله جاب الله، فقد بقي الرجل على مواقفه، منذ تأسيسه للنهضة إلى الإصلاح ثم جبهة العدالة و التنمية ، و معارضته للتيار اللائكي الذي بتطلع لإصدار نصوص و مراسيم تمنع من استعمال الدين لأغراض سياسية، و رفض الديمقراطية على الطريق الغربية، كما أن اللائكية في رأي عبد الله جاب الله لها آثار سيئة على المجتمع الجزائري المسلم على كل مستويات الحياة، ما جعله يقف مع النظام وجها لوجه، رغم الاتفاق الذي يربطه مع النظام في اعتبار أول نوفمبر مرجعية تاريخية لكل الشعب الجزائري، وواجب احترام هذه المبادئ، كان الاثنان يريدان بناء الجزائر، و لكن كل واحد و له طريقته في البناء، و فضل الإثنان ان يقفا ندا للند في كل مراحل الحياة السياسية.
ماذا يريد جاب الله و ماذا يريد النظام ؟
سؤال طرحه الشيخ عبد الله جاب الله قبل أن يؤسس حزبه الجديد "جبهة العدالة و التنمية" : " ماذا نريد نحن للجزائر و ماذا يريد النظام؟، و أجاب عبد الله جاب الله على هذا السؤال بالحديث عن بعض الخصائص و المواصفات فقال: نريد للجزائر أن تكون عربية اللسان و النسب، إسلامية الدين و الثقافة و الحضارة، حتى يتواصل حاضرها بماضيها، فتعود لها روحانية الشرق و جاذبية الروح، فتتوحد قلوب أبنائها فلا يكون بينهم اختلاف في العقيدة و الإيمان و لا في العبادات و المعاملات و لا في الأخلاق و القيم، و حتى تتوحد جهودهم فيتعاونون على التنمية، و يكون المجتمع فاهما ليم الشورى و الحرية و المساواة، مستقلا عن السلطة.
و أن تكون قوانين مستمدة من شرع الله و من تراث الأمة و حقائق واقعها، و توفير الأمن و الاستقرار للأفراد و المؤسسات، و حتى سكون التداول على السلطة عن طريق الإنتخابات حثا مضمونا في الدستور و القوانين، و توفر ضمانات حماية الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية من التعسفات و التجاوزات فتتمتع الأحزاب و المنظمات و الجمعيات باحترام كامل لاستقلاليتها.
يضاف إلى ذلك وجود توازن في الصلاحيات بين السلطات المختلفة فلا تطغى السلطة التنفيذية على بقية المؤسسات الأخرى و تجعل منها مجرد مؤسسات وظيفيو تؤدي وظائفها في حدود ما يطلب منها، حتى يسد الباب أمام الخداع و النفاق السياسي، و تنتفي ازدواجية المعايير ، و أمراض الروتين و المحاباة، و يفتح الطريق أمام خصائص الكفاءة و الأمانة في الوظائف و المسؤوليات و ان تكون البلاد متحررة من الاستبداد في الحكم و الاحتكار للإدارة و من الاستغلال و الثروة و من الظلم في القضاء، بلدا يحكمه فضلاء الأمة و آهل المروءة و الكفاءة و النزاهة ، يؤسسون لنظام شوري و ديمقراطي تعددي سليم و صحيح.
و برأي عبد الله جاب الله فإن "النخب الحاكمة "، أي النظام، يريد أن يجعل من الجزائر وطنا يحكمه المتغربون ، يحققون فيه أحلام الاستعمار في التمكين للغة الفرنسية و الثقافة الفرنسية و الحضارة الفرنسية، و التقاليد الفرنسية و أن يجعلوها ميدانا لتطبيق العولمة حتى يزداد فيها نفوذ الأجانب فتنسلخ الجزائر بين أحضان الشرق و روحانيته، و ترتمي بين أحضان الغرب و ماديته، و يريد النظام كما يرى جاب الله حكما يشجع التبعية و يريد حكما لا يعلو فيه صوت إلا صوت الحاكم و لا تقام فيه سلطة إلا سلطة الجهاز التنفيذي و الأمني و يريد النظام الجزائري طبقة سياسية مائعة كما يريد من رؤساء الأحزاب إلا آلات صماء في يده يديرها كما يشاء و كيف شاء، يحركها ضد الوطنيين الأحرار.
لماذا فشل مشروع الواجهة السياسية الموحدة؟
و المتأمل في رئيس جبهة العدالة و التنمية يقف على حقيقة واحدة و هي أن الرجل صاحب "الشاشية و ربطة العنق " يجمع بين الأصالة و الحداثة، و يربط الماضي بالحاضر ليصنع منه المستقبل، و المتأمل في خطبه و تجمعاته يدرك أنجاب الله رجل دعوة أكثر منه رجل سياسة، و ربما هي ألسباب التي جعلت الكثيرين يلتفون حوله و يعتبرونه شخصية مؤثرة، لأنه يقف في واجهتي: واجهة دعوية و سياسية في وقت واحد ، و كان يبني خطبه على الحجج و البراهين المستمدة من القرآن و السنة، و لا يتفق جاب الله مع كثير من زعماء الحركة الإسلامية في الجزائر، و منهم الشيخ عباسي مدني، الذي يختلف معه في طريقة العمل السياسي.
فعباسي مدني يعتمد على الطريقة "الشعوبية" كصيغة و أسلوب في العمل السياسي، و هذه الصيغة كان يرفضها الشيخ جاب الله، كما كان عباسي مدني لا يؤمن بما اصطلح عليه بـ: الإنتلنجسية الإسلاموية، و هذا الأخير يراه جاب الله القائد الحقيقي، و بهذا لم يتحقق التنسيق بين الرجلين ( عباسي مدني و جاب الله) بالرغم من أن هذا الأخير حاول في الكثير من المرات خلق واجهة سياسية إسلامية موحدة، و التنسيق بين الحركات الإسلامية لإنجاحها ، و كان جاب الله قد اتصل بالشيخ عباسي مدني و الهاشمي سحنوني من أجل إقناعهم لتوحيد الواجهة السياسية،و لكن لم يكتب لهذا اللقاء بالنجاح عندما رفضت الجبهة الإسلامية للإنقاذ هذا المطلب الذي دعا إليه جاب الله، لأن أنصار عباسي مدني أرادوا أن تكون الجبهة واجهة الجميع، و من هنا تفرقت السبل ،و هي متفرقة إلى اليوم و هو ما اثر عليها في انتخابات ماي 2012، فكانت النتيجة إبعادها عن السلطة.
إعداد علجية عيش
- المرفقات
- 161343_100000252238456_1572666395_n.jpg
- لا تتوفر على صلاحيات كافية لتحميل هذه المرفقات.
- (28 Ko) عدد مرات التنزيل 1