انتقل إلى نقطة مهمة جداً وهي :
عوائق التفكير المنهجي
وهي - كما قلت - مهم ومن المهم أن نقف عندها ؛ لأنها هي التي تنتشر أو تسيطر في واقع كثير من البيئات الإسلامية ، فتضعف عندنا قوة التفكير وأصالته ومنهجيته ، وهناك كثير من العوائق أيضاً نذكر بعضاً منها :-
أولاً : الخرافات
وقد يعجب السامع عندما يسمع الخرافات ، وأقول : انظر إلى العالم الإسلامي ولا تنظر إلى البيئة التي تعيش فيها ، ولا تنظر إلى نفسك وقد نلت حظاً من العلم ، واطلعت على المسائل والأدلة الشرعية وغير ذلك ، لكن الخرافة التي فيها انحرافات عقدية تضرب بأطنابها في كثير من بقاع الإسلام ، وتسيطر على تفكير كثير من المسلمين ، وليس يعني مجهولاً عندنا عقول الناس الذين يرتبطون بالقبور والأضرحة والأولياء ، ويهدرون الطاقات المادية والفكرية في إطار هذه القضايا ، بل حتى تزرع هذه الخرافات في نفوس الصغار بطريقة أحياناً غير مقصودة فتجد الكبار يخوّفون الصغار لماذا ؟ بالوحش الذي يأكل الذي له فم وصفه كذا وكذا .
أيضاً الخرافة والمبالغات التي تنشأ في نفوس الأطفال من خلال - مثلاً - أفلام الكرتون وغيرها ، هذه البعد عن الحقائق والخرافات والبعد عن العقائد الصحيحة ، وعن التفكير الصحيح هي من أعظم المسائل التي تصدّ عن التفكير المنهجي ، تذهب إلى هؤلاء المساكين من الذين عشعشت في عقولهم الخرافات ، تقول له : يميناً .. تقول له: شمالاً .. تذكر له آية .. تذكر له حديثاً .. يبقى عقله متصلباً على خرافته لا يتغير ولا يتبدل إلا أن يشاء الله - عز وجل - ، وهذا أظن كثيراً من الناس يعرفون له أمثلة كثيرة واقعية ، وأشير إلى نقطة أيضاً يحسن التعريج عليها وقد طلب كثيرون أن يدور حولها حديث خاص ، وهي ما يشيعه الناس الآن ويتبادلونه بأن يفسروا كل شيء بأمور لها حقيقتها الأصيلة أو الأصلية ، لكن المبالغة فيها ربط بأمور ليست هي الواقع الحقيقي ، الآن عندما يحصل للإنسان أي شيء مباشرة تجد بعض الناس عندهم عجلة ، يقولون : إنسان أصابته عين فلان مسحور .. فلان تلبّسه الجان .. فلان كذا .. حتى أصبحت هذه الشائعات الآن تنتقل حتى لو أن الإنسان الطالب أخطأ في الاختبار قالوا أصابته عين مباشرة .
نعم ! نحن نعرف أن العين حق ، ونعرف أن الجن حق ، ونعرف أن هذه الأمور لها أصولها لكن هذه المبالغات هي نوع من اغتيال التفكير الصحيح ، ولذلك الآن تجد كثير من الشبهات تدور في هذا الجانب ، ومن هنا تدخل الشعوذة ،وتدخل الانحرافات العقدية من خلال السيطرة على الفكر بهذا الوهم عندما يقع شيء بدل أن نقول ربما يكون له أسبابه المادية المحسوسة لا يقال هناك جن وكذا .
إذن لا بد أن تأتي إليّ حتى أكشف لك هذا السحر أو نحو ذلك ويأتيك المشعوذون والراجمون بالغيب في هذه الشئون ؛ وأيضاً نقول نحن نعلم أن هناك من يقرأ القراءة الشرعية والرقية لكني أقول : إن الظاهرة قد زادت عن حدّها ، واختلط فيها الحابل بالنابل ، وكثرت فيها المقالات ، وأطربت فيها الآراء كثيراً ، مما يدل على أن القضية جنحت عن المنهج الصحيح .
ثانياً : الخضوع للسلطة الفكرية
وهذا أمر كثيراً ما يعوق دون التفكير المنهجي ، هناك سلطة فكرية وعلمية تكتسب سلطتها من جوانب كثيرة منها :
القِدَم : فالآراء القديمة التي امتدت سنوات طويلة دون أن ينتقدها منتقد ، أو أن يكشف فيها أحد خطأ تجد أحياناً لها قدسية عند الناس تحول دون بحثها ، قلنا : أمر الشرع والدين لا إشكال في ثبوته وعدم التعرض له بشيء من التفكير أو النقد ؛ لأننا نعلم صدقه ويقينه بلا شك ولا ريب ، لكن كما قلت في النقطة الثانية وهو أن هناك آراء للأباء والأجداد من العادات والمتوارثات . لما لا يتركها الناس وهم قد يعلمون أن فيها ضرر ؟ يقولون لك : هذه أمور قد كانت عندنا من سنوات وما أنكرها أحد أو قد كانت عندنا وما غيرّها أحد ، بغضّ النظر عن إنكارها أو عدم إنكارها ، فهذا نوع يعني من الأنواع التي تجعل الناس يستسلمون ولا يبحثون ، وفي مقابل ذلك الخضوع تنشأ ردة فعل هي أيضاً ليست منهجية وهي خطيرة ، فالأجيال الجديدة التي ترفض هذا القديم أو لا تريد أن تستسلم له تأتي بمناقضة كبيرة فتقول كل القديم باطل ، وتدعو إلى التجديد ينقض القديم من أصله حتى في الأمور عند النبي – صلى الله عليه وسلم - ذكر في أمور الجاهلية : ( قد شهدت حلفاً وهو حلف الفضول لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت ) . جاهلية نعم ، لكن ما فيها من حق جعل النبي - عليه الصلاة والسلام - يقول به ، ويذكر أنه مقبول فلذلك الاستسلام للقديم هذا نوع من الخضوع للسلطة الفكرية ، أحياناً لا يكون للرأي قدماً ولكن يكون له انتشار كبير ، فهذا الانتشار الرأي إذا كان شائعاً بين الناس تهيّب الناس من نقده ، وتهيّبوا من التفكير في صحته من خطأه ، إذا جاء إنسان وجد الناس كلهم هكذا هل سيفكّر في أن هذا قد يكون فيه خطأ ؟ الجواب : لا . أقول - على سبيل المثال - : هناك أمثلة كثيرة لهذه الجوانب ؛ الرأي المنتشر المألوف يكتسب نوعاً من الحماية ، والإنسان إذا أراد أن يحمي نفسه قد يكون مقتنعاً بشيء ما ، لكنه لا يذكر قناعته ولكن يقول بالأمر الشائع بين الناس لماذا ؟ لأنه إذا قال هذا القول ليس وحده قاله وإنما هو قد قاله غيره ، وشاع بين الناس فيحمي نفسه بهذا ، وإن كان يغالط نفسه أو يخالف منهجيته ، وعلى سبيل المثال أذكر مثلاً شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - جاء إلى أمور قد استقرت عند بعض الناس حتى في المسائل الفقهية فنظر في بعضها ، واجتهد في اجتهادات ، وخرج ببعض الآراء قد خالف فيها غيره وشنّع عليه بسببها ، لكنه لم يستسلم لهذا الانتشار ، وللإقرار الذي ذاع بين الناس ، والأمر الذي يجب أن نتنبه له أن تحدي سلطة الانتشار لا يؤتي ثماره ، إلا أن يكون المتصدي له متصد بمنهج علمي صحيح وبمنهجية صائبة ،عندما نقول : هناك أشياء قد تكون أخطاء . نعم ! لكن من الذي يتصدى لها ويريد أن يخالف هذا الأمر الشائع ؟ ينبغي أن يكون صاحب علم ، صاحب تقوى ، صاحب منهجية ، ولا يكون إنساناً سطحياً ، بل السطحيين لا يستطيعون أن يقوموا بمثل هذا .
وأيضاً من السلطة الفكرية التي تحول دون التفكير أو النقد هي الشهرة ؛ فإذا كان القائل لهذا القول ، وإن لم يكن شائعاً لكن القائل به رجل مشهور ؛ فإن كثيراً من الناس لا يعني ينقد مثل هذا السبب الثالث من العوائق أو العائق الثالث هو الإجحاف في تقدير العقل هناك مبالغة في تقدير العقل جاءت عند بعض الناس كالمعتزلة - مثلاً - فجعلوا العقل مقدّم على النقل وكذا ، وإلى غير ذلك من الأمور التي خالفوا فيها الشرع ، وخاضوا في أمور الاعتقاد ونحو ذلك ، لكن هناك نظرة أخرى أن العقل يعني - كما يقولون - يذكرون مقدمات صحيحة ، ويصلون فيها إلى نتيجة غير صحيحة ، فيقال - مثلاً - : العقل ما يزال عاجزاً عن كشف كثير من أسرار الكون ، وهناك مشكلات كثيرة يعجز عنها العقل ، والعقل قدرته محدودة . ثم تأتي النتيجة التي يصل إليها بعض الناس يقولون : إن العقل بطبيعته عاجز ، وبالتالي فهو محدود الأثر لا يمكن أن يعتمد أو أن يستفاد منه فهذا الإجحاف أو عدم يعني يقول لك الآن - مثلاً - ماذا ستفعل ؟ عقلك محدود .. تفكيرك محدود .. المشكلات أكبر من عقولنا . إذن فلا يحتاج أن نفكّر ، وهذه قضية واردة عند كثير من الناس كما سبق أن أشرت في أثناء الحديث أو الكلام .
ثالثاً : التعصب
وهذا آفة الآفات وعائق العوائق عن التفكير ، فالذي يتعصّب لمذهبه أو لشيخه أو لبلده أو لطائفته ينغلق .. يقال له : هناك حق آخر غير الذي أنت عليه ! فلا يقبل شيئاً من ذلك وهذا خطير .
لماذا التعصب خطير ؟
أولاً : لأنه يحول دون صاحبه ودون معرفة الحق .
ثانياً : لأنه يستبعد فضائل الآخرين ؛ لأن من تعصبه إذا اعتقد أنه على الحق فلا بد تلقائياً أن يعتقد أن الآخرين على الباطل ، وبالتالي لا بد أن ينقدهم ، بل في الحقيقة إن المتعصب لا يؤكد ذاته إلا من خلال مهاجمة الآخرين واحتقارهم ، وازدراء فضاءلهم ، وإنكار ما لهم من العلم أو العقل أو التفكير ، وهذا التعصب هو الذي جنى على كثير من أحوال أمتنا في تاريخها القديم ، وتاريخها المعاصر ، وينبغي أن يتخلص من الإنسان عندما يرتبط بكتاب الله ، وبسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وعندما يرى النماذج العملية من سيرة سلفنا الصالح .
رابعاً : الإعلام المضلل
الذي يشكّل عقول الناس ؛ وسأقول هناك ملامح سريعة لخصائص هذا الإعلام
أولاً : فيه خاصية التكرار في الليل والنهار .. في الصبح والمساء وأنت تسير في أجواء الفضاء ، وأنت تدبّ على الأرض فتكرر عليك الرسائل الإعلامية التي تشكّل تفكيرك وعقلك .
ثانياً : اختلاف القوالب ؛ فمرة في صورة قصة ، ومرة في صورة دعاية ، ومرة في صورة رواية ، ومرة في صورة فيلم ، ومرة في صورة .... والهدف أو المضمون واحد ، فتعدد القوالب ؛ فإن لم تقتنع بهذا القالب ، أو لم يؤثر في عقلك فسيؤثر القالب الآخر .
ثالثاً : تعدد الوسائل ؛ إن كنت لا تعرف القراءة فتسمع في المذياع أو الإذاعة ، وإذا لم تكن هذه متوفرة لديك فسترى أيضاً في التلفاز أو في السينما أو في غيرها ، فهذه الوسائل تشكّل كماً هائلاً من المعلومات سأذكر لا حقاً ما يتعلق بها من حيث صياغة التفكير ، فالوسائل الإعلامية في الحقيقة من الممكن أن يكون لها دور رائد في تشكيل العقلية العلمية والتفكير المنهجي لو أنها في مجملها اعتمدت على المصداقية ، وعلى المنهجية الصحيحة التي تؤسس الحقائق ، وتوجه نحو الطريقة الصحيحة للاستفادة منها .
أقول : لكن في غالب الأحوال الإعلام العالمي غالباً ما يستهدف تغييب وتضليل العقول ، وإبعادها عن التفكير الصحيح ، ويمثّل بعض الكتّاب بمثال جيد في هذا الباب فيقول : مثلاً بدأت تجربة تشكيل عقول الناس ، وصبها في قوالب واحدة ، تخدم أغراض معينة . قال : ضرب لذلك مثال أيام العهد النازي في ألمانيا ونعرف هتلر ونسمع عنه ، حتى إن هتلر كان معظماً عند كثير من الناس في بلاد العرب والمسلمين ، وكانوا يفاخرون به ، ويعظمونه من أين جاء هذا ؟ جاء من أنه استطاع أن يسلط الإعلام على أهل بلاده وعظمته وقوته وكذا ، ثم قاد الأمة الألمانية أو شعب ألمانيا كله إلى محرقة في الحرب العالمية الثانية التي لا زالوا يعانون منها حتى اليوم .
هذا التوجيه الإعلامي الذي يجعل الناس يميلون يميناً وشمالاً أيضاً يعني أصبحت هناك دراسات علمية منظمة تستهدف البحث عن أقوى وسائل التأثير الإعلامي في الناس ، وتستخدم في إجراءها علوم كثيرة ؛ كعلم النفس وغيره من العلوم ، وهذه الدراسات تتخذ مظاهر علمية ، ولكنها تهدف غالب الأحوال إلى بحث أفضل الطرق لتزييف عقل الإنسان ، أو الانحراف بإرادته وباتجاهات مرسومة مقدمة ، ويضرب لذلك مثال واضح وهو مثال الإعلان التجاري .
- ما هو الإعلان التجاري ؟
هو نوع من التأثير على العقل ليفضل هذه السلعة ، أو ليقتني هذه السلعة رغم عدم حاجته إليها ، فالدعاية أو الإعلان في أصله لا غبار عليه أن تقول هذا شيء جيد وكذا .
لكن غالباً كيف تعرض الدعايات ؟ وكيف تعرض الإعلانات ؟
إنها تعرض بطريقة تحرّف التفكير للغرض الذي يريده صاحب الرسالة الإعلانية أو الدعائية ، ولك أن تمثل أيضاً بأمثلة أخرى في جوانب أخرى في هذا الشأن .
أيضاً تتمة لهذا الموضوع المتعلق بالعوائق يمكن أن نضيف نقطة مهمة جداً أو تلحق بهذا
الموضوع بعنوان ؟
أعدائنا والتفكير
أعداء الأمة الإسلامية يهمهم بدرجة كبيرة جداً أن لا تفكر الأمة ، وأن لا يفكر أبناءها ، وأن يفكر ذوي الرأي والقيادة فيها ، لماذا؟ لأننا كما قلنا التفكير هو أول خطوة للعمل والتغيير فإذا لم تفكر ؛ فإنك لن تشعر بوجود المشكلة ، ولن تعرف حجمها ، ولن تسعى لحلها وسترضى بأضرارها إلى غير ذلك ... ولذلك أعداء الأمة الإسلامية يستهدفون اغتيال فكرها ولذلك أساليب كثيرة جداً أذكر بعضاً منها :-
أولاً : الأسلوب الواضح المعروف عندنا وهو تدمير التفكير من خلال المخدرات والمسكرات والأمراض التي تفتك بالبنية وبالعقل والتفكير ، ولا بد أن يكون على اليقين أن وراء هذه الظواهر التي تنتشر في كثير من البلاد الإسلامية شيوع المخدرات على وجه الخصوص والمسكرات من قبل أيضاً هي تخطيط من الأعداء ، أو سعي منهم لا شك أن هناك من يعينهم من أبناء جلدتنا ، أو من تتطلع عليه الحيلة من أبناء أمتنا ، لكن لا شك أن الاستهداف واضح في هذا ، وحسبك أن تنظر إلى الآثار من تغييب العقل بالنسبة للخمر ، أو من تدمير العقل أيضاً بالنسبة للمخدرات وإضعاف الذاكرة وغير ذلك من الأمور ، لذلك يسلط هذا الداء الخبيث ، ويستهدف به شباب الأمة على وجه الخصوص ، حتى يعني تبتعد بشكل قطعي عن التفكير المناسب .
الجانب الثاني : هو جانب تكثير الملهيات والمسليات ، عادة الإنسان عندما يفكر ويعمل يحتاج إلى راحة قد يحتاج فيها إلى بعض اللهو المباح ، أو إلى بعض التسلية البريئة لكن عندما تكون التسلية أكثر من العمل ، وتكون وسائلها وأنواعها ومختلف ألعابها ؛ فإنها تشكّل شيئاً وكماً هائلاً كبيراً يستنزف تفكيراً ، ويستنزف موارد اقتصادية ، ويستنزف جهوداًُ بدنية ، ويستنزف طاقات علمية ، ويستنزف تقنيات متقدمة ، كل ذلك يصرف عن أن تبذل هذه في المسار الصحيح في التفكير المطلوب للقضايا المهمة للأمة الإسلامية , وأظن أن واقع بيئات المسلمين في أكثرها ناطق بهذا حتى على مستوى الأطفال الصغار ولنا أن نمثل بذلك كثيراً ، يشكو الناس الآن على سبيل المثال من ماذا؟
من الألعاب الإلكترونية التي يسمونها الكمبيوتر ونحو ذلك ، هذه تستنزف البصر .. تستنزف وقت الطفل ، وتبقيه في دائرة سذاجة ولهو لا ينبني فيه معالم شخصية متزنة ، لا تغرس فيه بذور الرجولة المبكرة كما كان صغار سلفنا - رضوان الله عليهم - ، وقس على ذلك أنماطاً كثيرة من الملهيات والمسليات ، والأمور التي فيها تفنن في هذه المجالات ، حتى ربما - كما قلت - يصعب حصرها فضلاً عن ذكرها .
ثالثاً : إيجاد الاضطراب على الساحات العقدية والأدبية والفكرية والاجتماعية . كيف ؟
عندما نكون - وهذا هو الأصل - أمة إسلامية ، لنا منهج واحد مرتبط بكتاب الله وبسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - ، لنا مصادر بالقدوة من سيرة سلفنا الصالح ، وعلماءنا الأفاضل ، لكن كيف يحصل الاضطراب ؟ يتشتت الفكر وينحرف عندما نجعل - كما كان في أوائل هذا العصر بالذات لها قوة كبيرة هذه القضية مثلاً في القضايا العقائد ؛ يذكر لك قومية وعلمانية وبعثية واشتراكية .. الخ . حتى اختلف الناس وساروا يفكرون في هذا ، وهذا يفكّر في هذه المسألة ، وذاك يرد عليه وكذا ... واضطربت الأفكار وحادت من أن تفكر في شيء نافع مفيد وإن كان ضد هذه الأفكار لا شك أنه مفيد ، لكن لو لم ترد إلينا الأفكار لما أجهدنا نفسنا في الرد عليها ولذلك الحياطة والسلامة للأمة في عقيدتها وأفكارها مهمة حتى في القضايا الأدبية هي قضايا أدبية ولها أيضاً علاقة بالقضايا العقدية والفكرية جاءوك بالشعر الحر ، هل الشعر الحر ...؟ نقبل الشعر الحر ...؟ لا نؤلف في الشعر الحر ...؟ نؤلف في الشعر الحر...؟
ننصرف عن الأمور المهمة بهذه التشتيتات والتكثير للمناهج في كل الساحات .
نأتي أيضاً في الآراء الاجتماعية لا بد أن يكون هذه الاجتماعية بهذا النمط ...، وآخر يقول لا بهذا النمط ...، ويجدون لك نمطاً ثالثاً .....، هذا التعدد والتكثير الذي لا يستند إلى المنهجية الإسلامية هو نوع أيضاً من تشويش التفكير واغتياله ومنعنا من التفكير الصحيح المطلوب .
رابعاً : زيادة الاحتياج إلى الأساسيات الضرورية وهذا أمر مهم جداً ؛ فإن أعداءنا يريدون منا أن نكون فقراء .. أن نكون محتاجين إلى الغذاء .. أن نكون محتاجين إلى الكساء .. أن نكون محتاجين إلى الضروريات لماذا ؟ ليكون تفكيرنا في لقمة نأكلها ، وكسوة نلبسها ، وغرفة نسكنها ، وليس وراء ذلك شيء ، ولو وجدت أحوال الإفقار وأحوال التدليس التي هدف أو استهدف منها أن تجعل العالم الإسلامي أو بلاد المسلمين في هذه الحالات مع أنها بهذه الثروات لعلمت أنهم يريدون أن ينشغل الناس بهذه الحاجات عن ما ينبغي أن يكونوا منشغلين به من أن تكون أمة الإسلام هي الأمة القوية .. هي الأمة القائدة التي تسترد مجدها .. التي تقوم غيرها إلى غير ذلك .
ولذلك يحاربون البلاد الإسلامية في شأن الزراعة ، فلا يريدون لها أن تزرع قوتها حتى لا تستغني عن أعداءها وإذا استغنت بقوتها بعد ذلك يمكن أن تفكر في تصنيعها أو غير ذلك ، فدائماً كل شيء في بلاد المسلمين يعتبر استغناءً عن بلاد الكافرين ولذلك إذا أنشئت مصنعاً في بلدك استغنيت عن مصنع في بلدهم وهذا لا يوافقه مصلحتهم لذلك يصنع الأعداء دائماً إلى وجود هذا الجانب ، وأحب أن أشير إلى نقطة قد يعترض بها معترض وهي قضية الإعانات والإغاثات الدولية التي تقال بأنها تقدم إلى الدول الفقيرة وتقدم إلى الطفولة المعذبة .. لست أنا الذي سأنقد هذا ولكنه كتاب جميل جيد جداً لأحد العاملين في هذه الميادين سمى كتابه : [ سادة الفقر ] تكلّم فيها عن منظمات الإغاثة العالمية التابعة للمنظمات الدولية ، وبين كيفية وحقيقة محاربتها للفقر وأنها ليست حقيقة بل وهماً ، وأنها فيها ما فيها من أمور كثيرة يطول ذكرها فهذا الكتاب في الحقيقة يبين لنا حقيقة تخفى على كثير منا ، وتجعلنا يعني أحياناً نندفع بعواطف جياشة لنثني على أولئك الذين أحسنوا إلى الفقراء وأحسنوا إلى بلاد الإسلام مع أن الحقيقة في بعض صورها على غير ذلك.
وأخيراً أقول :- دائماً يهدف أعداءنا إلى إلغاء تفكيرنا هذه إطلالة سريعة أو عجالة سريعة.