أهداف الانقلاب الصدامي ضد البكر
1 ـ إفشال أي تقارب بين سوريا والعراق ،ومنع قيام أي شكل من أشكال الوحدة بينهما ، وتخريب الجهود التي بُذلت في أواخر أيام حكم البكر لتحقيق وتطبيق ميثاق العمل القومي الذي تم عقده بين سوريا والعراق ،حيث أثار ذلك الحدث قلقاً كبيراً لدى الولايات المتحدة وإسرائيل ،تحسبا لما يشكله من خطورة على أمن إسرائيل .
2 ـ احتواء الثورة الإسلامية في إيران ،ولاسيما وأن قادة النظام الإيراني الجديد بدءوا يتطلعون إلى تصدير ونشر مفاهيم الثورة الإسلامية في الدول المجاورة ،مما اعتبرته الولايات المتحدة تهديداً لمصالحها في منطقة الخليج ،ووجدت أن خير سبيل إلى ذلك ،هو إشعال الحرب بين العراق وإيران، وأشغال البلدين في حرب سعت الولايات المتحدة إلى جعلها تمتد أطول فترة ممكنة ،كما سنرى فيما بعد .
3ـ مكافحة النشاطات الشيوعية ،والإسلامية في البلاد على حد سواء ،والتصدي للتطلعات الإيرانية الهادفة إلى نشر أفكار الثورة الإسلامية في المنطقة .
4ـ بالإضافة لما سبق كانت تطلعات صدام حسين لأن يصبح شرطي الخليج ، وتزعم العالم العربي قد طغت على تفكيره ،ووجد في الدور الذي أوكل له خير سبيلٍ إلى تحقيق طموحاته .
ثانياً : كيف دُبر الانقلاب ضد البكر :
لم يجرِ الانقلاب ضد البكر بمعزل عن المخططات الأمريكية ، فلقد جرى الحديث عن زيارة قام بها مساعد وزير الخارجية الأمريكي لبغداد ،و أجرى محادثات مطولة مع الرئيس احمد حسن البكر،في مقره بالقصر الجمهوري، وشوهد الموفد الأمريكي يخرج بعد الاجتماع متجهم الوجه وقد بدا عليه عدم الارتياح ،ثم أنتقل إلى مكتب صدام حسين ،وأجرى معه محادثات أخرى ،خرج بعدها وعلامات السرور بادية على وجهه ،وقد علته ابتسامة عريضة .
لقد بقي ما دار في الاجتماعين سراً من الأسرار ،إلا أن التكهنات والأحاديث التي كانت تدور حول الاجتماعين تشير إلى أن النقاش دار حول نقطتين أساسيتين ، الأولى حول تطور العلاقات بين العراق وسوريا ،وتأثير هذه العلاقات على مجمل الأوضاع في المنطقة ،وبشكل خاص على إسرائيل والنقطه الثانية دارت حول الأوضاع في إيران ، بعد سقوط نظام الشاه ، واستلام التيار الديني بزعامة [الخميني] السلطة ،والأخطار التي يمثلها النظام الجديد على الأوضاع في منطقة الخليج ، وضرورة التصدي لتلك الأخطار ،وقيل أن الموفد الأمريكي سعى لتحريض حكام العراق على القيام بعمل ما ضد النظام الجديد في إيران ،بما في ذلك التدخل العسكري ،وقيل أيضاً بأن الرئيس البكر لم يقتنع بفكرة الموفد الأمريكي ،وخاصة وأن البكر رجل عسكري ، ويدرك تمام الإدراك ما تعنيه الحرب من ويلات ومآسي ،وتدمير لاقتصاد البلاد ،ولذلك فقد خرج الموفد الأمريكي من مكتب البكر وقد بدا على وجهه عدم والارتياح ،على عكس اللقاء مع صدام حسين ،والذي خرج بعد لقائه مسروراً .
والمعتقد أن صدام حسين قد أبدى كل الاستعداد للقيام بهذا الدور المتمثل بتخريب العلاقات مع سوريا من جهة ،وشن الحرب ضد إيران من جهة أخرى .
ولم تمضِ غير فترة زمنية قصيرة ،حتى جرى إجبار الرئيس البكر ،بقوة السلاح ،من قبل صدام حسين وأعوانه ،على تقديم استقالته من كافة مناصبه ، وإعلان تولي صدام حسين كامل السلطات في البلاد ،متخطياً الحزب وقيادته ،ومجلس قيادة الثورة المفروض قيامهما بانتخاب رئيس للبلاد في حالة خلو منصب الرئاسة .
أحكم صدام حسين سلطته المطلقة على مقدرات العراق ،بعد تصفية كل المعارضين لحكمه ،ابتداءً من أعضاء قيادة حزبه الذين صفاهم جسدياً بأسلوب بشع ،وانتهاءً بكل القوى السياسية الأخرى المتواجدة على الساحة .
لقد أخذت أجهزته القمعية تمارس ابشع الأعمال الإرهابية في حق العناصر الوطنية ،من ِشيوعيين ،وإسلاميين ،وقوميين ،وديمقراطيين ، بالإضافة للشعب الكردي ،وملأ السجون بأعداد كبيرة منهم ومارس أقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي بحقهم ، وقضى العديد منهم تحت التعذيب .
لقد كانت ماكينة الموت الصدامية تطحن كل يوم بالمئات من أبناء الشعب ،لكي يقمع أي معارضة لحكمه ، وحتى يصبح مطلق اليدين في اتخاذ أخطر القرارات التي تتحكم بمصير الشعب والوطن ، ولكي يعدّ العدة ،ويهيئ الظروف المناسبة لتنفيذ الدور الذي أوكلته له أمريكا ،في العدوان على إيران .
لقد وصل الأمر بصدام حسين أن جمع وزراءه ،وشكل منهم فريق إعدام في سجن بغداد ،لكي يرهب كل من تسول له نفسه بمعارضته ،كما قام بإعدام عدد كبير من ضباط الجيش ، لكي يصبح وحده الأقوى في المؤسسة العسكرية ،رغم أنه لم يكن في يوم من الأيام عسكرياُ
صدام .. الحياة السرية
عاش صدام حسين طفولة بؤس وشقاء وحرمان، ومسقط رأس الرجل الذي سيصبح واحدا من أقوى الزعماء العرب في العصر الحديث هو قرية العوجة الفقيرة الواقعة على ضفاف نهر دجلة والقريبة من مدينة تكريت, ينتمي لأسرة فقيرة، وقد تيتم في سن مبكرة وارسل ليعيش مع اقاربه الذين تكفلوا بتنشئته وتعليمه, وليس من المطلوب ان يكون المرء على معرفة متعمقة بعلم الفلسفة حتى يقدر تأثير هذه الظروف على تطور الطفل, ومثل هتلر وستالين، هذين المستبدين الطاغيين، فان صدام تغلب على مآسي طفولته ليصبح زعيم العراق الذي لا ينازع, كان الخجل من اصوله المتواضعة هو القوة الدافعة لطموحه، كما ان احساسه بعدم الامان الذي تولد لديه نتيجة طفولته غير المستقرة جعلته في وقت لاحق من حياته لا يثق باحد، حتى أقرب الناس اليه, واذا ما اخذنا بالاعتبار هذه الظروف البائسة، فان صدام يستحق الثناء لتغلبه على هذه العوامل والعوائق الاجتماعية القاهرة الى ان وصل الى قمة الهرم السياسي في العراق.
وفي هذا الكتاب «صدام - الحياة السرية» الصادر عن دار «ماكميلان للنشر» يكشف المؤلف كون كوكلان الحياة السرية لهذا الديكتاتور الذي شغل العالم في العقود الثلاثة الماضية
* دس أفعى بملابس أستاذه وهدد بقتل الناظر عندما قرر طرده من المدرسة
كانت العوجة التي تبعد ثمانية كيلومترات جنوب تكريت في شمال وسط العراق عبارة عن بيوت واكواخ من الطمي يسكنها اناس يعيشون في فقر مدقع, المياه الجارية، الكهرباء والطرق الممهدة لم تكن معروفة، ورغم انه كان هناك عدد من ملاك الاراضي في المنطقة، فان القرية نفسها كانت جرداء, ونسبة الوفيات بين الاطفال كانت مرتفعة، والبقاء على قيد الحياة كان الشغل الشاغل للكثيرين, وكان ملاك الاراضي في الهلال الخصيب التي تنتج الرز، القمح، الخضراوات، التمور والعنب، يعيشون في تكريت المجاورة او في بغداد، وكانوا يحظون بمكانة مميزة في المجتمع العراقي, وكان سكان العوجة الفقراء يعملون في فلاحة هذه الاراضي او كخدم في تكريت, ولما لم تكن هناك مدارس في العوجة، فان الآباء القادرين كانوا يرسلون ابناءهم للدراسة في تكريت.
سكان العوجة
ورغم ان معظم السكان كانوا يعملون في الاراضي، فان البعض كان يمارس انشطة محظورة مثل السرقة، القرصنة والتهريب، وكانت العوجة تشتهر بانها ملاذ لقطاع الطرق واللصوص الذين كانوا يكسبون رزقهم بالسطو على «الدوبا» القوارب الصغيرة التي كانت تنقل البضائع بين الموصل وبغداد.
رسميا ولد صدام يوم 28 ابريل سنة 1937، وحتى يضفي على هذا التاريخ مصداقية، فقد جعله سنة 1980 عطلة رسمية، وهناك من يقول انه ولد قبل ذلك بسنتين، بينما يدعي آخرون بانه من مواليد سنة 1939، وهذا يوضح ان عملية تسجيل المواليد والزواج والوفيات كانت بدائية جدا, وفي الواقع فان صدام حصل على تاريخ رسمي لمولده من صديقه وشريكه فيما بعد عبدالكريم الشيخلي الذي ينتمي الى عائلة ميسورة من بغداد، ولهذا السبب كانت لديه شهادة ميلاد رسمية، وكان صدام يغار من عبدالكريم لانه كان يعرف يوم ميلاده, ومن المقبول عموما ان صدام غير سنة مولده حتى يصور نفسه بانه أكبر من عمره اثناء صعوده في حزب البعث، وهذا يتضح من زواجه بزوجته الأولى ساجدة، وهي من مواليد عام 1937.
ورغم ان تاريخ ميلاده محل خلاف، فان المكان ثابت ومؤكد, ولد صدام في بيت يملكه خاله خير الله طلفاح، الذي كان نازي الهوى وسجن لمدة خمس سنوات بسبب تأييده للثورة ضد البريطانيين اثناء الحرب العالمية الثانية, وينتمي الى عشيرة بيجات السنية احد فخوذ قبيلة ابو النصر التي كانت مهيمنة في منطقة تكريت، وقد لعبت الولاءات القبلية دورا مهما في صعود صدام للسلطة, وبحلول الثمانينات كان هناك ستة اعضاء على الأقل في القبيلة، بمن فيهم الرئيس صدام، الذين شغلوا مناصب حكومية مهمة، وفي الثلاثينات فان القبيلة كانت معروفة بفقرها وبميلها الى العنف، وكان زعماؤها يفاخرون بتصفية اعدائهم لأتفه الاسباب, ورغم ان صدام اقام نصبا لوالدته صبحة التي توفيت عام 1982، فانه لم يفعل ذلك بالنسبة لوالده، كما انه ليس هناك اي سجل لوفاته ولا المكان الذي دفن فيه, ونتيجة لذلك فان كل الروايات تجمع على ان والده حسين المجيد، اما انه قد ترك منزل الأسرة قبل ولادة الطفل أو بعد ذلك بقليل.
من هي سهام؟
ورغم ان حياة وممات والده يكتنفها الغموض، فان له شقيقة تدعى سهام التي تكبره بسنة أو سنتين والتي كانت تبتعد عن الاضواء رغم مكانة اخيها, تزوجت من احد القضاة ورزقت بطفلين، والمرة الوحيدة التي برز اسم عائلتها الى العلن في العراق، كان ابان الحرب العراقية ــ الايرانية، عندما رفض زوجها دعوة صدام للعراقيين بالتطوع في الخدمة العسكرية، وضعت الأسرة قيد الاقامة الجبرية وتم عزل زوج سهام، لكن بعد اشهر عفا صدام عنهم واعاد زوجها الى عمله، وحقيقة ان سهام شقيقة صدام، وعلى عكس كل اقاربه المقربين، لم تحظ ابدا بمكانة مرموقة في العراق، فان ذلك يثير اسئلة حول ما اذا كانت سهام تمت بصلة مباشرة الى صدام.
أما بالنسبة لمصير والده، فان أكثر ما يمكن ان يقال، اما انه قد توفي بعد فترة قصيرة من ولادة سهام، أو انه ترك منزل العائلة, ويقول بعض من عاصروا صدام في تكريت بان حسين المجيد هجر صبحة الى امرأة اخرى، وعاش معها لسنوات عدة بعد ولادة صدام، رغم ان العلاقة بين الجانبين من العائلة كانت مسمومة.
والدته مستبصرة
ورغم انه من الصعب تقديم سيرة دقيقة لطفولة صدام المبكرة، فانه يمكن تجميع بعض الخيوط بعد هجر حسين المجيد لمنزل الاسرة, كانت صبحة والدة صدام تعاني من العدم, كان عملها الوحيد قراءة الطالع »مستبصرة«, وقال سكان في تكريت، انهم يتذكرونها بملابس سوداء على الدوام وجيوبها مليئة بالاصداف التي كانت تستخدمها في مهنتها, وتحدثت بعض الروايات عن انها كانت تتلقى بعض الدعم المادي من شقيقها خير الله الذي كان يسكن في تكريت، بينما تكفل الاخير بتنشئة صدام, وتعود شهرة تكريت تاريخيا الى انها كانت مسقط رأس صلاح الدين القائد الاسلامي الشهير الذي هزم الصليبيين الغزاة في فلسطين, في سنة 1394 زارها تيمورلنك سليل جنكيزخان، والذي توقف فيها لبناء هرم من جماجم ضحاياه المهزومين.
وخير الله طلفاح الذي كان يعمل ضابطا في الجيش في تكريت من القوميين العرب المتحمسين، وسيصبح له نفوذ كبير على تشكل صدام الصغير، وفي الادلة على الرابطة القوية التي تطورت بين الخال وابن اخته هي انه بعد ان اصبح رئيسا، كافأ صدام خاله بتعيينه رئيس بلدية صدام، وعندما ادى حماس خيرالله للنازيين الى طرده من الجيش عام 1941، افتقده صدام كثيرا، قال صدام لفؤاد مطر احد كتاب سير حياته الرسميين، «كان خالي قوميا، ضابطا في الجيش العراقي، امضى خمس سنوات في السجن, وكان دائما يبث فينا الروح الوطنية والقومية، وعندما كنت اسأل عنه، كانت أمي تقول انه في السجن», وقد زرع خير الله في الصبي الكراهية للعائلة الملكية التي كانت تحكم العراق في ذلك الحين، ومن يدعمهم من الاجانب، والبريطانيين قبلهم على سبيل المثال، وقد كان هذا الشعور عميقا لدى صدام الذي كتب قائلا بعد ان اصبح رئيسا «يجب تعليم اطفالنا الحذر من كل ما هو اجنبي، وعدم البوح بأي سر من اسرار الدولة والحزب للأجانب لان الاجانب هم عيون بلادهم».
كان سجن خير الله يعني عودة صدام للعيش مع والدته التي كانت قد تزوجت لدى عودة ابنها الى العوجة من قريب لها يدعى حسن الابراهيم، الذي كان فقيرا ويعمل بوابا بمدرسة في تكريت , وكان يعتدي بالضرب على صدام، حيث انه كان يجبره على الرقص في الوحل للنجاة من الضرب بالعصا, كان البيت المبني من الطين صغيرا، وحتى صدام نفسه يعترف بحياة الحرمان والشقاء اثناء طفولته، فقد اسر لأمير اسكندر احد كتاب سير حياته، انه لم يعش حياة الصغر، وكان طفلا حزينا يتجنب صحبة الآخرين, وهناك فقرة تثير الشفقة في قوله ان مولده لم يكن مناسبة سعيدة، ولم تكن هناك زهور الى جانب مهده.
حسن الكذاب
والى جانب هذه الظروف القاسية، فقد كان على صدام ان يتحمل الحياة الكئيبة مع زوج امه الفاسد الذي كان يعرف في القرية بـ «حسن الكذاب»، لانه ادعى بانه قد ادى مناسك الحج، مع انه في الحقيقة لم يقترب من حدود السعودية قط، وقد حرم صدام من الذهاب الى المدرسة، وكان يكلف بالقيام بالاعمال المنزلية الوضيعة، كما كان يجبر على سرقة البيض والدجاج من منازل الجيران، وقد يكون قد أمضى مدة من الزمن في سجن للأحداث نتيجة لافعاله تلك, ويقول وزير عراقي سابق ان والدته صبحة كان لها دور أيضا بتشجيعه على القيام بتلك السرقات، وكان يتم توزيع الغنائم في الليلة نفسها.
وان كانت الحياة صعبة في المنزل، فانها لم تكن أحسن حالا عندما كان يتمكن صدام من الافلات من زوج امه ويخرج الى الشارع, وكان شائعا في القرية أن الصبي قتيم، الأمر الذي لم يفعل حسين شيئا لدحضه, ونتيجة لذلك فان الصبية كانوا يضايقون صدام ويتحرشون به أحيانا، حتى انه كان يضطر للتسلح بقضيب من الحديد عندما يخرج الى الشارع للدفاع عن نفسه ان دعت الضرورة, وتحدثت روايات عن أن صدام كان يضع القضيب في النار ويبقر بطون الحيوانات به من أجل التسلية ليس الا، وكان صدام يعاني من الوحدة، وكان المخلوق الوحيد الذي يهتم به هو حصانه الذي حزن كثيرا على وفاته، حتى أنه قال ان يده شلت طيلة أسبوع بسبب ذلك.
ومن الممكن سبر وفهم وجهة نظر صدام عند طفولته من خلال سير حياته الرسمية, لم يذكر زوج والدته الا لماما وبسوء، كان يوقظه في الفجر ويشتمه من أجل رعي الغنم, وهو يعترف بأنه عاش في منزل متواضع, وفي السبعينات وعندما كان صدام يسعى لبناء قاعدة نفوذ له في العراق، كان يؤكد على أصوله المتواضعة، والتي كان يأمل من ورائها التقرب وكسب تعاطف المواطنين العاديين, في يونيو من عام 1990 وعشية حرب الخليج, كان صريحا اثناء مقابلة مع ديانا سوبر من شبكة «اي بي سي» التلفزيونية عندما قال: ان الحياة كانت صعبة للغاية في العراق، قلة قليلة كانت ترتدي احذية وفي كثير من الحالات، فانهم كانوا يرتدونها في المناسبات الخاصة، وبعض الفلاحين لم يكونوا يلبسون أحذيتهم الا عند ـصولهم اـى مقصدهم حتى تبقى نظيفة.
هو وأمه واخوته
ومثل معظم الأبناء فان صدام كان يعبد أمه وهو ما تمثل في البناء الذي اقامه لها في تكريت وان كان ذلك بأموال الدولة, وقد احتفظ صدام بعلاقات جيدة مع اخوته من أمه، وان كانت العلاقات بينهم صعبة أثناء الطفولة, وقد اسند صدام لكل من برزان، وسبعاوي ووطبان مناصب رسمية مهمة بعد أن أصبح رئيسا للعراق، حتى أن برزان اعتبر نفسه لسنوات عدة ولي عهد صدام الذي علمته تنشئته بأن لا يثق بأحد، وأهمية الاعتماد على النفس، وقيمة وأهمية استخدام القوة لاطاحة كل من يقف في وجهه او طريقه, وتعلم انه أيا كانت عدم كفاءة اسرته الوظيفية فان هؤلاء هم الأشخاص الوحيدون الذين يمكن ان يثق بهم ويعتمد عليهم.
واذا كانت تجربة صدام مع زوج أمه قد ساعدته في تشكيل شخصيته، فان الفترة التي أمضاها مع خاله في تكريت وبغداد قد اسهمت دون أدنى شك بوجهات نظره السياسية, وبينما كان خير الله لاعبا صغيرا في النضال الأوسع من قبل الشعب العراقي للحصول على حق تقرير المصير، فان مشاركته الفعالة في التيارات القومية في ذلك الوقت تركت بصمة لا تمحى لدى صدام الصغير، خصوصا ان انشطة خاله قد حرمته من صحبة خير الله خلال خمس سنوات حاسمة من طفولته.
كان ابن الأخت والخال قد تغيرا بقدر كبير بحلول الوقت الذي التأم فيه شمل صدام وخير الله من جديد في تكريت, كان خير الله يشعر بالمرارة والميل الى الانتقام نتيجة للمعاملة التي لقيها على يد البريطانيين, والى جانب حبسه، فانه قد خسر مكانته الاجتماعية بعد طرده كضابط من القوات المسلحة العراقية, بعد اطلاق سراحه عمل ناظرا لمدرسة خاصة، حيث اخذ يثبت وجهات نظره القومية وافكاره المعادية للبريطانيين بين طلاب المدرسة, يقول طالب سابق في المدرسة «كان خير الله رجلا في منتهى القسوة نازيا وفاشيا، كل الطلبة كانوا يخافونه سواء بالنسبة لسجله في محاربة البريطانيين او آرائه السياسية».
اثناء غياب خاله القسري كان صدام قد تخرج بجدارة كفتى قوي وصلب من الشوارع، وبسبب والد زوجته كان اميا، وبالنسبة لمعظم الفتية الذين هم في مكانة صدام الاجتماعية فان التعليم لم يكن يشكل اولوية بالنسبة لهم، ولو تكن هناك رغبة لدى صدام في محاكاة خاله وتقليده، لكان قد بقي مثلهم يعتاش على السرقة والبلطجة, كان الانخراط في القوات المسلحة ربما هو الطريق الوحيد المتاح لمثل من هم في مكانة صدام لتحسين مواقعهم الاجتماعية، ليس لانهم كانوا فلاحين فقراء فحسب، بل كونهم من السنة والذين كانوا يعتبرون في العراق الجديد اقلية اذا ما قورنوا بالاكراد والشيعة, كان طموح اي شاب عراقي ميال للخدمة العسكرية الالتحاق باكاديمية بغداد العسكرية التي اسسها البريطانيون لتخريج ضباط جيدي التدريب وموالين.
..
رحمك الله يا صدام ..