فضيلة الشيخ/ مدثر أحمد
الحمد لله رب العالمين، أحمده حمد الشاكرين الذاكرين، وأصلي وأسلم على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين رسول رب العالمين نبينا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا معاشر الصائمين والقائمين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع" فطلب العلم هو أشرف عمل تُفنى فيه الأعمار وتُستهلك فيه الأوقات فكن يا رعاك الله حريصاً على طلب هذا العلم، كن يا رعاك الله حريصاً على قضاء عمرك في تعلم هذا العلم لا سيما في هذا الشهر المبارك يقول معاذ بن جبل: تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربى بأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تُقتص آثارهم ويُقتدى بأفعالهم ويُنتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة في ثلتهم وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظُلَم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، التفكر فيه تعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام به توصل الأرحام وبه يُعرف الحلال من الحرام وهو إمام العمل والعمل تابع له يُلهمه السعداء ويُحرمه الأشقياء
وما يغنيك تشييد المباني
إذا بالجهل نفسك قد هدمت
جعلت المال فوق العلم جهلاً
لعمرك في القضية ما عدلت
وبينهمـا بنص الوحي بون
ستعلمه إذا طه قرأتَ
إن طالب العلم الذي يبذل وقته في طلب العلم يكون على بصيرة بنفسه يعلم مَن هو من أين جاء ما هدفه ما دوره في الحياة وإلى أين يسير وما منتهاه، أما الجاهل وأعني بالجاهل الذي جهل العلم الشرعي الذي جهل القرآن وآياته والسنة وهدايتها ولا أعني بالجاهل الذي لا يقرأ ولا يكتب كلا إنما أعني بالجاهل ذاك الذي ماذاق طعماً لوحي لا كتاباً ولا سنة إن الجاهل يعيش في انكماش وتحجّر فهو في ضيق ويعيش في شرود عن طريق الفطرة الميسر فهو في عسر لا يعرف الطمأنينة بالإيمان فهو قلق الجاهل نبتة ضالة لا وشائك لها في تربة هذا الوجود ولا جذور الجاهل فرد منقطع الصلة بخالق الوجود فهو يعيش تائهاً حائراً في هذا الوجود يتيه في ظلام جهله فلا يرى النور ويتجرع غصص الضنك فلا يرى السعادة ولا يذوق طعمها لا تغني عنه شهاداته ولا دراساته ما دامت بعيدة عن نور الوحي.
إن العلم يا رعاك الله ينشئ في القلب حياة بعد الموت ويشع فيه نوراً بعد الظلمات وحينما يجد الإنسان في قلبه هذا النور تتكشف له حقائق الوجود وحقائق الحياة وحقائق الناس وحقائق الأحداث التي تجري في هذا الكون وفي عالم الناس يجد الإنسان في قلبه هذا النور فيجد الوضوح في كل شأن وفي كل أمر وفي كل حدث، ها هو أحد رموز الثقافة الميتة الذي قتل روحه يوم جهل هدى الله وجعل جسده قبراً لروحه يقول في قصدية له بعنوان الطلاسم:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حر طليق أم أسيرٌ في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنى أنني أدري ولكن لست أدري
وطريقي ما طريقي أطويل أم قصير
هل أنا أصعد أم أهبط فيه أم أغور
أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير
أم كلانا واقف والدهر يجري لست أدري
أتراني قبل ما أصبح إنسياً سوياً كنت محواً أو محالاً
أم تراني كنت شيئاً لست أدري
ألهذا اللغز حلٌّ أم سيبقى أبدياً لست أدري
ولماذا لست أدري لست أدري
هكذا يتيه الإنسان ويضيع ويضل الطريق مهما كان ذا ثقافة وأدب وإبداع وفكر مستنير كما زعموا يتخبط حينما يفقد العلم والإيمان فما حصل لهذا القائل نتاج طبيعي لخلو جوفه من الإيمان ولجله بالهدى ودين الحق فقد أتاك شهر رمضان شهر العلم والإيمان فلا يفوتنك هذا الشهر إلا وقد رفعت عن نفسك الجهل وأنرت بصيرتك بنور العلم وإليك ردّاً على هذا الضال:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
يجاب عليه فيقال له:
أنت حي قد ذراك الله في هذا الوجود
أنت حر غير أن الله أعطاك الحدود
فتبصر في طريق دربه فيه السعود
لو سمعت الحق يوماً فتتبعت كلامه سوف تدري
إن بعد الموت هولاً وظلاماً للقبور ...
للذي قد حاد كِبْراً عن هتافات النذير
والذي قد قال حقاً لظلام القبر نور
أتراكم في نعيم أم تراكم في جحيم سوف تدري
فطريق الخير معروف بنور شع منه
وطريق الشر شوك من رآه فرَّ عنه
فلماذا تهت درباً... إنك قد جئت منه
أترى الإنكار ظلم أم ترى الإنكار جرم سوف تدري
إن بعد العظم حق ستراه فهو حقاً وترى ما كان يخفى وترى ما كان دقا
سوف تدري عندها أن كل شيء كان صدقاً
فلماذا أنت تدري ثم كِبْراً تتمطى.. لست تدري
أو ما بالعقل فكّر أن هذا الليل يسري
ثم من بعدُ يعود وكذا فالعمر يجري
فهو حق ليس يُذكر فلماذا لستَ تدري^&)§¤°^°§°^°¤§(&^م