تقى الدين امام التابعين (الحسن البصري ) رحمه الله
اسمه ونسبه: هو الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد مولى زيد بن ثابت الأنصاري ، ويقال: مولى أبي اليسر كعب بن عمرو السَّلمي ، وكانت أمه مولاة لأم المؤمنين أم سلمة المخزومية رضي الله عنها، واسم أمه خيرة.
مولده: ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر.
شيوخه: روى عن المغيرة بن شعبة، وعبدالرحمن بن سمرة، وسمرة بن جندب، والنعمان بن بشير، وجابر بن عبد الله، وجندب البجلي، وابن عباس، ومعقل بن يسار، وأنس بن مالك، وخلق من الصحابة، ولم يسمع من كثير منهم، بل روى عنهم رواية .
وقرأ القرآن على حسان بن عبد الله الرقاشي، وروى عن خلق من التابعين.
الرواة عنه: روى عنه: أيوب، ويونس بن عبيد، وحميد الطويل، وثابت البناني، وجرير بن حازم، ومبارك بن فضالة، وأبان العطار، وسلام بن مسكين، وقرة بن خالد، وأمم سواهم.
ثناء العلماء عليه :
قال العوام بن حوشب: ما أشبّه الحسن إلا بنبيّ.
قال أبو بردة: ما رأيت أحدًا أشبه بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الحسن.
قال قتادة: الزموا هذا الشيخ؛ فما رأيت أحدًا أشبه رأيًا بعمر منه- يعني الحسن .
وقال: ما جمعت علم الحسن إلى أحد من العلماء إلا وجدت له فضلا عليه، غير أنه إذا أشكل عليه شيء كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله ، وما جالست فقيهًا قط إلا رأيت فضل الحسن .
عن أنس قال: سلوا الحسن فإنه حفظ ونسينا.
قال الأشعث بن أبي الشعثاء: ما لقيت أحدًا بعد الحسن إلا صغر في عيني.
قال أبو هلال عند قتادة: لقد كان غُمس في العلم غمسة- يعني الحسن.
قال حميد: ما كان أحد أكمل مروءة من الحسن.
قال علي بن زيد: سمعت من ابن المسيب وعروة والقاسم وغيرهم، ما رأيت مثل الحسن ، ولو أدرك الصحابة وله مثل أسنانهم ما تقدموه .
قال عطاء: عليك بذاك- يعني الحسن- ذاك إمام ضخم يُقتدى به.
قال الربيع بن أنس: اختلفت إلى الحسن عشر سنين أو ما شاء الله، فليس من يوم إلا أسمع منه ما لم أسمع قبل ذلك.
قال عوف الأعرابي: ما رأيت رجلا أعلم بطريق الجنة من الحسن .
قال بكر بن عبد الله المزني: من سَرَّه أن ينظر إلى أفقه من رأينا فلينظر إلى الحسن.
قال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أفصح من الحسن والحجاج.
قال ابن سعد: كان الحسن رحمه الله جامعًا عالمًا رفيعًا فقيهًا ثقة حجة مأمونًا عابدًا ناسكًا كثير العلم، فصيحًا، جميلا، وسيمًا، وما أرسله فليس بحجة ( أي ان مرسل الحسن يكون ضعيفا )
قال الذهبي: والحسن مع جلالته فهو مدلس(1) ومراسيله ليست بذاك، ولم يطلب الحديث في صباه، وكان كثير الجهاد.
قال: وكان سيد أهل زمانه علمًا وعملا.
قال أبو سعيد بن الأعرابي: كان عامة من ذكرنا من النساك يأتون الحسن ، ويسمعون كلامه، ويذعنون له بالفقه في هذه المعاني خاصة - يعني الزهد والعبادة والمراقبة- وكان عمرو بن عبيد، وعبد الواحد بن زيد من الملازمين له، وكان له مجلس خاص في منزله لا يكاد يتكلم فيه إلا في معاني الزهد والنسك وعلوم الباطن، فإن سأله إنسان غيرها تبرّم منه وقال: إنما خلونا مع إخواننا نتذاكر، فأما حلقته في المسجد فكان يُمر فيها الحديث والفقه وعلم القرآن واللغة وسائر العلوم.
قال ابن حجر: ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس .
من أحواله وأقواله :
قال الأعمش: مازال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها.
وكان إذا ذُكر الحسن عند أبي جعفر الباقر قال: ذاك الذي يشبه كلامُه كلامَ الأنبياء.
قال في قوله تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه {الفرقان: 43}. قال: هو المنافق لا يهوى شيئًا إلا ركبه .
روى عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة يسند ظهره إليها، فلما كثر الناس قال: "ابنوا لي منبرًا عتبتان " . فلما قام على المنبر يخطب حنّت الخشبة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، قال : وأنا في المسجد فسمعت الخشبة تحنّ حنين الوَالِه، فمازالت تحنُّ حتى نزل إليها فاحتضنها فسكنت، وكان الحسن إذا حدث بهذا بكى، ثم قال: يا عباد الله ، الخشبة تحنُّ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شوقًا إليه، فأنتم أحق أن تشتاقوا.
قال الذهبي: هذا حديث حسن غريب.
قال مطر الوراق: لما ظهر الحسن جاء كأنما كان في الآخرة ، فهو يخبر عما عاين .
وقال الحسن : المؤمن يداري دينه بالثياب، يعني لا يبديه رياءً .
قال: يا ابن آدم، والله إن قرأت القرآن ثم آمنت به ليطولنّ في الدنيا حزنك ، وليشتدّن في الدنيا خوفك، وليكثرن في الدنيا بكاؤك.
عن عمران القصير قال: سألت الحسن عن شيء فقلت: إن الفقهاء يقولون كذا وكذا. فقال: وهل رأيت فقيهًا بعينك ؟ إنما الفقيه : الزاهد في الدنيا ، البصير بدينه ، المداوم على عبادة ربه .
قال: ما أعزَّ أحدٌ الدرهمَ إلا أذله الله .
قال: بئس الرفيقان: الدينار والدرهم، لا ينفعانك حتى يفارقاك.
قال: ابنَ آدم ، ترك الخطيئة أهون عليك من معالجة التوبة . ما يُؤَمِّنُك أن تكون أصبت كبيرة أُغلق دونها باب التوبة ، فأنت في غير معمل.
قال: أهينوا الدنيا فوالله لأهنأ ما تكون أنت إذا أهنتها .
قال: خلق الله الشيطان وخلق الخير وخلق الشر ، فقال رجل : قاتلهم الله يكذبون على هذا الشيخ.
قلت: أي فيما يتهمونه به من القدر كذبًا عليه إما عمدًا بتأويل كلامه تأويلا غير صحيح ، أو جهلا به.
قيل لابن سيرين في الحسن وما كان ينحل أهل القدر؟ قال: كانوا يأتون الشيخ بكلام مجمل لو فسروه لهم لساءهم- أي أهل القدر-.
قال أبو سعيد بن الأعرابي: كان يجلس إلى الحسن طائفة من هؤلاء فيتكلم في الخصوص حتى نسبته القدرية إلى الجبر (لأنه أثبت الخلق كله لله وفيه أفعال العباد).
وتكلّم في الاكتساب حتى نسبته السنّة إلى القدر (لأنه أضاف الأفعال للعباد) ، كل ذلك لافتنانه وتفاوت الناس عنده وتفاوتهم في الأخذ عنه ، وهو بريء من القدر ومن كل بدعة.
عن ابن عون عن الحسن قال: من كذَّب بالقدر فقد كفر .
قال أبو الأشهب: سمعت الحسن يقول في قوله: وحيل بينهم وبين ما يشتهون {سبأ: 54} قال: حيل بينهم وبين الإيمان.
قال حميد: قرأت القرآن كله على الحسن ففسره لي أجمع على الإثبات، فسألته عن قوله: كذلك سلكناه في قلوب المجرمين قال: الشرك سلكه الله في قلوبهم. اه.
قال خالد الحذاء: سأل رجل الحسن ، فقال: ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك {هود: 118، 119}، قال: أهل رحمته لا يختلفون، ولذلك خلقهم خلق هؤلاء لجنته وهؤلاء لناره، فقلت: يا أبا سعيد، آدم خلق للسماء أم للأرض؟ قال: للأرض خلق، قلت: أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة؟ قال: لم يكن بُدٌّ من أن يأكل منها لأنه خلق للأرض، فقلت: ما أنتم عليه بفاتنين (162) إلا من هو صال الجحيم {الصافات: 162، 163} قال: نعم الشياطين لا يُضلون إلا من أحب الله له أن يصلى الجحيم. اه.
قلت: قال تعالى: ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا {مريم: 83}، فالله هو الذي يُرسل الشياطين لإضلال من أراد به العذاب، والعياذ بالله من الضلال.
قال الذهبي: وقد مرّ إثبات الحسن للأقدار من غير وجه عنه سوى حكاية أيوب عنه، فلعلها هفوة منه ورجع عنها ولله الحمد.
قال الحسن: كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وزهده ولسانه وبصره.
قال: اصحب الناس بما شئت أن تصحبهم فإنهم سيصحبونك بمثله.
قال: ابن آدم، السكين تُحَدّ والكبش يُعلف والتنور يُسجّر.
قال: نضحك ولا ندري لعل الله اطلع على بعض أعمالنا.
قال: فضح الموت الدنيا فلم يترك فيها لذي لب فرحًا.
قال: ابن آدم، إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك.
قال هشام بن حسان: كان الحسن أشجع أهل زمانه.
قال السري بن يحيى: كان الحسن يصوم البيض، وأشهر الحرم، والاثنين والخميس.
عن مطر قال: دخلنا على الحسن نعوده، فما كان في البيت شيء لا فراش ولا بساط ولا وسادة ولا حصير إلا سريرٌ مرمول هو عليه.
قال إياس بن أبي تميمة: شهدت الحسن في جنازة أبي رجاء العطاردي على بغلة، والفرزدق إلى جنبه على بعير، فقال له الفرزدق: قد استشرفَنا الناسُ يقولون: خير الناس وشر الناس، قال: يا أبا فراس كم من أشعث أغبر ذي طمرين خير مني، وكم من شيخ مشرك أنت خير منه ، ما أعددت للموت؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، قال: إن معها شروطًا ، فإياك وقذف المحصنة ، قال: هل من توبة ؟ قال: نعم.
قال فضيل بن جعفر: خرج الحسن من عند ابن هبيرة فإذا هو بالقرَّاء على الباب، فقال: ما يحبسكم هاهنا ؟ تريدون الدخول على هؤلاء الخبثاء، أما والله ما مجالستهم مجالسة الأبرار ، تفرّقوا فرق الله بين أرواحكم وأجسادكم ، قد فرطحتم نعالكم، وشمّرتم ثيابكم، وجززتم شعوركم، فضحتم القراء فضحكم الله، والله لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم فزهدوا فيكم، أبعد الله من أبعد .
قال الحسن : المؤمن من علم أن ما قال الله كما قال ، والمؤمن أحسن الناس عملا وأشد الناس وجلا، فلو أنفق جبلا من مال ما أمن دون أن يعاين، لا يزداد صلاحًا وبرّا إلا ازداد فَرَقًا، والمنافق يقول : سواد الناس كثير وسيُغْفر لي ، ولا بأس عليّ فيُسِيء العمل ويتمنى على الله.
وفاته: توفي الحسن رحمه الله في رجب سنة عشر ومائة. رحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا به في جنات النعيم.
المراجع: "سير أعلام النبلاء" - "الحلية" - "التهذيب" - "تقريب التهذيب".
م
ن
ق
و
ل
محمد