1- بيان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 15 نوفمبر 1954
نداء إلى الشعب الجزائري المجاهد …
نعيذكم بالله أن تتراجعوا …
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المسلمون الجزائريون :
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته .
حياكم الله وأحياكم ، وأحيا بكم الجزائر ، وجعل منكم نورا يمشي من بين يديها ومن خلفها .هذا هو الصوت الذي يسمع الآذان الصم ، هذا هو الدواء الذي يفتح الأعين المغمضة ، وهذه هي اللغة التي تنفذ معانيها إلى الأذهان البليدة ، وهذا هو المنطق الذي يقوم القلوب الغلف ، وهذا هو الشعاع الذي يخترق الحجب والأوهام .
كان العالم يسمع ببلايا الاستعمار الفرنسي لدياركم ، فيعجب كيف لم تثوروا ، و كان يسمع أنينكم و توجعكم منه ، فيعجب كيف تؤثرون هذا الموت البطيء ، على الموت العاجل المريح، وكانت فرنسا تسوق شبابكم إلى المجازر البشرية ، في الحروب الاستعمارية ، فتموت عشرات الآلاف منكم في غير شرف ولا محمدة ، بل في سبيل فرنسا، وتوسيع ممالكها، وحماية ديارها ولو أن تلك العشرات من الآلاف من أبنائنا ماتوا في سبيل الجزائر ، ماتوا شهداء وكنتم بهم سعداء .
أيها الإخوة الجزائريون :
اذكروا غدر الاستعمار و مماطلته .
احتلت فرنسا وطنكم منذ قرن و ربع ، و شهد لكم التاريخ ، بأنكم قاومتموها مقاومة الأبطال ، وثرتم عليها مجتمعين ومتفرقين نصف هذه المدة . فما رعت في حربها لكم دينا و لا عهدا ، ولا قانونا و لا إنسانية ، بل ارتكبت كل أساليب الوحشية من تقتيل النساء و الأطفال المرضى ، و تحريق القبائل كاملة ، بديارها و حيواناتها و أقواتها .ثم حاربتم معها و في صفها ، و في سبيل بقائها نصف هذه المدة ، ففتحت بأبنائكم الأوطان و قهرت بهم أعداءها ، و رحمت بهم وطنها الأصلي فما رعت لكم جميلا ، و لا كافأتكم بجميل ، بل كانت تنتصر بكم ، ثم تخذلكم وتحيا أبناءكم ، ثم تقتلكم كما وقع لكم معها في مايو 1945 ، وما كانت قيمة أبنائكم ، الذين ماتوا في سبيلها وجلبوا لها النصر ، إلا أنها نقشت أسماء بعضهم في الأنصاب التذكارية ، فهل هذا هو الجزاء .
طالبتموها بلسان الحق ، و العدل ، و القانون ، و الإنسانية ، ومن أربعين سنة ، بأن ترفق بكم ، وتنفس عنكم الخناق قليلا ، فما استجابت ، ثم طالبتموها ، بأن ترد عليكم بعض حقوقكم الآدمية، فما رضيت، ثم طالبتموها بحقكم الطبيعي ، يقركم عليه كل إنسان ، وهو إرجاع أوقافكم ومعابدكم وجميع متعلقات دينكم ، فأغلقت آذانها في إصرار و عتو ، ثم ساومتموها على حقوقكم السياسية بدماء أبنائكم الغالية التي سالت في سبيل نصرها ، فعميت عيونها عن هذا الحق الذي يقرره حتى دستورها ، ثم هي في هذه المراحل كلها ، سائرة في معاملتكم من فظيع إلى أفظع .
أيها الاخوة الجزائريون الأبطال :
لم تبق لكم فرنسا شيئا تخافون عليه ، أو تدارونها لأجله ، و لم تبق لكم خيطا من الأمل تتعللون به أتخافون على أعراضكم و قد انتهكتها ، أم تخافون على الحرمة و قد استباحتها ، لقد تركتكم فقراء تلتمسون قوت اليوم فلا تجدونه أم تخافون على الأرض و خيراتها ، وقد أصبحتم فيها غرباء حفاة عراة جياعا ، أسعدكم من يعمل فيها رقيقا زراعيا يباع معها ويشترى ، وحظكم من خيرات بلادكم ، النظر بالعين و الحيرة بالنفس ، أم تخافون على القصور، وتسعة أعشاركم يأوون إلى الغيران كالحشرات و الزواحف ، أم تخافون على الدين ، و يا ويلكم من الدين الذي لم تجاهدوا في سبيله ، و يا ويل فرنسا من الإسلام ، ابتلعت أوقافه و هدمت مساجده ،و أذلت رجاله ،و استبعدت أهله ، و محت أثاره من الأرض ، و هي تجهد في محو آثاره من النفوس .
أيها الاخوة المسلمون :
إن التراجع معناه الفناء
إن فرنسا لم تبق لكم دينا و لا دنيا ، و كل إنسان في هذا الوجود البشري ، و يحيا بدنيا فإذا فقدهما فبطن الأرض خير له من ظهرها .و إنها سارت بكم من دركة إلى دركة ، حتى أصبحت تتحكم في عقائدكم و شعائركم ، و ضمائركم فالصلاة عل هواها لا على هواكم ، و الحج بيدها لا بيدكم ، و الصوم برؤيتها لا برؤيتكم . وقد قرأتم و سمعتم من رجالها المسؤولين عزمها على إحداث إسلام جزائري و معناه إسلام ممسوخ ، مقطوع الصلة بمنبعه في الشرع و بأهله من الشرقيين .إن الرضى بسلب الأموال ، قد ينافي الهمة و الرجولة ، أما الرضى بسلب الدين و الاعتداء عليه فانه يخالف الدين ، و الرضى به كفر بالله و تعطيل للقرآن .إنكم في نظر العالم العاقل المنصف ، لم تثوروا ،و إنما أثارتكم فرنسا بظلمها الشنيع و عتوها الطاغي ، و استعبادها الفظيع لكم قرنا و ربع قرن ، و امتهانها لشرفكم و كرامتكم ، و تعديها على مقدساتكم .
إن أقل مما وقع على رؤوسكم من بلاء الاستعمار الفرنسي يوجب عليكم الثورة عليه ، من زمان بعيد ، و لكنكم صبرتم ، ورجوتم من الصخرة أن تلين ، فطمعتم في المحال و قد قمتم الآن قومة المسلم الحر الأبي فنعيذكم بالله و بالإسلام ، أن تتراجعوا أو تنكصوا على أعقابكم ، إن التراجع معناه الفناء الأبدي و الذل السرمدي .
إن شريعة فرنسا ، تأخذ البريء بذنب المجرم ، و أنها تنظر إليكم مسالمين أو ثائرين نظرة واحدة ، وهي أنها عدو لكم و إنكم عدو لها ، والله لو سألتموها ألف سنة لما تغيرت العدائية لكم وهي بذلك مصممة على محوكم ،و محو دينكم وعروبتكم ، وجميع مقوماتكم .إنكم مع فرنسا في موقف لا خيار فيه ونهايته الموت، فاختاروا ميتة الشرف على حياة العبودية التي هي شر من الموت .إنكم كتبتم البسملة بالدماء ، في صفحة الجهاد العريضة ، فاملئوها بآيات البطولة التي هي شعاركم في التاريخ ، وهي إرث العروبة و الإسلام فيكم .ما كان للمسلم أن يخاف الموت وهو يعلم أنها كتاب مؤجل ، و ما كان أن يبخل بماله و بهجته ، في سبيل الله والانتصار لدينه ، وهو يعلن أنها قربة إلى الله ، وما كان له أن يرضى الدنيه في دينه ، إذا رضيها في دنياه .
اخلصوا العمل و اخلصوا بصائركم في الله ، و اذكروا دائما و في جميع أعمالكم ، ما دعه القرآن ، من الصبر في سبيل الحق ، و من بذل المهج و الأموال في سبيل الدين ، و اذكروا قبل ذلك كله قوله : { جاهدوا في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم } و قول الله { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله و الله مع الصابرين } .
أيها الاخوة الأحرار :
هلموا إلى الكفاح المسلح .
إننا كلما ذكرنا ما فعلت فرنسا بالدين الإسلامي في الجزائر ، وذكرنا في معاملة المسلمين لا لشيء إلا لأنهم مسلمون، كلما ذكرنا ذلك احتقرنا أنفسنا و احتقرنا المسلمي ، وخجلنا من الله أن يرانا و يراهم مقصرين في الجهاد لإعلاء كلمته، وكلما استعرضنا الواجبات وجدنا أوجبها وألزمها في أعناقنا ، إنما هو الكفاح المسلح فهو الذي يسقط علينا الواجب، ويدفع عنا وعن ديننا العار، فسيروا على بركة الله ، وبعونه وتوفيقه إلى ميدان الكفاح المسلح، فهو السبيل الواحد إلى إحدى الحسنيين، إما موت وراءه الجنة، وإما حياة وراءها العزة و الكرامة.و السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته .
عن مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة
محمد البشير الإبراهيمي ، الفضيل الورتلاني
القاهرة 15 نوفمبر 1954